مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

آثار سعودية في متحف اللوفر

قد تلخّص قطعة أثرية متربعة وسط صندوق زجاجي في متحفٍ تاريخَ أمةٍ، وتنبئ عن حضارة إنسانية بكل ما فيها من تداعيات. وكل أمة حريصة على حفظ تاريخها برعاية آثاره المادية والمعنوية الضاربة في القدم عبر إقامة المتاحف الوطنية. وقد تخطت المملكة العربية السعودية مرحلة إقامة المتاحف الوطنية إلى إقامة معرض خارج حدودها الإقليمية عنوانه (روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) في متحف اللوفر بباريس الذي يؤمه زوار من مختلف بلدان العالم.

وتعرّف زوار متحف اللوفر -الذين يتجاوز عددهم ثمانية ملايين سائح من جميع دول العالم- على تراث المملكة الحضاري والتاريخي، ودورها الرائد في الحضارة الإسلامية، حينما احتضن المتحف في يوم الثلاثاء غرة شعبان 1431هـ، الموافق 13 يوليو 2010م، معرضاً يتحدث عن آثار المملكة العربية السعودية وكنوزها عبر العصور.
ضم المعرض أكثر من 300 قطعة أثرية من التحف المعروضة في المتحف الوطني بالرياض، ومتحف جامعة الملك سعود، وعدد من متاحف المملكة المختلفة والتي تغطي الفترة التاريخية التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر النهضة السعودي. وتمر هذه الفترة الطويلة جداً بالعصور الحجرية ثم بفترة العبيد (الألف السابع قبل الميلاد) ففترة الممالك العربية المبكرة (الألف الخامس قبل الميلاد)، ثم الممالك العربية المتأخرة (الألف الثاني قبل الميلاد)، ثم الممالك العربية المتأخرة (الألف الأول قبل الميلاد)، ففترة العهد النبوي، ثم فترة الدولة الأموية والدولة العباسية، ومن ثم العصر العثماني، وأخيراً فترة توحيد المملكة العربية السعودية، وما تلاها من تطور مزدهر يتضح في كافة مجالات الحياة خصوصاً في خدمتها للحرمين الشريفين.
وقدم المعرض رحلة عبر قلب الجزيرة العربية، تزينها صور المناظر الطبيعية الخلابة في المنطقة، وتأخذ الرحلة شكل سلسلة من أماكن التوقف في بعض واحات شبه الجزيرة الواسعة، وتعتبر القطع المختارة للعرض والتي لم يغادر أغلبها موطنها الأصلي من قبل مثالاً شاملاً وأصلياً لمختلف الثقافات والحضارات التي تعاقبت على أرض الجزيرة العربية.
كما أقيم معرض مصاحب لصور الرحالة الفرنسيين الذين زاروا الجزيرة العربية بالتنسيق بين دارة الملك عبدالعزيز والهيئة العامة للسياحة والآثار. وألقى مختصون من الجانب السعودي والفرنسي على هامش المعرض محاضرات علمية عن آثار المملكة، وتم عرض عدد من الأفلام والصور وتوزيع عدد كبير من المطبوعات والكتيبات التي تبرز أهم المواقع الأثرية في المملكة، إضافة إلى عروض للفنون الشعبية.
وقد تم إعداد كتاب للمعرض يتكون من 600 صفحة باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية، تضمن معلومات شاملة عن المعرض وأبحاثاً ومقالات وأوراقاً كتبت من خلال مختصين من المملكة ومن خارجها عن العمق التاريخي والدور الحضاري المميز للمملكة عبر العصور.
ومن القطع المعروضة للمرة الأولى مسلة مصنوعة من الحجر الرملي منحوتة على شكل إنسان تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد مع رأس تبدو عليه علامات الألم أو الحزن، وبين القطع أيضاً لوح حجري ذو عيون عليه كتابة آرامية تعود إلى القرن الرابع أو الخامس قبل الميلاد، وتماثيل من الحجر الأحمر تمثل على ما يبدو ملوك مملكة لحيان التي اضطلعت بدور كبير في تجارة القوافل. وقد عثر على هذه التماثيل في شمال غربي السعودية، ونقلت إلى متحف اللوفر حيث جرى تركيب قدم لأحدها ورأس لآخر.
ولعل القطعة الأساسية في المعرض باب للكعبة المشرفة مطلي بالذهب قدمه أحد سلاطين الدولة العثمانية في القرن السابع عشر، ونقل في 1940م إلى متحف الرياض.
ويوضح المعرض أنه على رغم الظروف المناخية الشديدة الصعوبة، تمكن السكان القدماء من استغلال الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة العربية، كنقطة تقاطع للطرق التي تربط بين ضفتي المحيط الهندي، أو بين دول القرن الأفريقي ومصر، أو بلاد ما بين النهرين وضفاف البحر المتوسط. وفي مطالع الألفية الأولى قبل الميلاد تكثفت المبادلات التجارية عبر شبه الجزيرة العربية، فصنعت قوافل الأفاويه والحرير والبخور رفاه المدن، وأغنت الثقافات المحلية بطرق العيش والأفكار الجديدة القادمة من الإمبراطوريات المجاورة.
ويبرز الشق الثاني من المعرض ولادة الإسلام كدين وثقافة على أرض الجزيرة العربية، واختلاط حجاج بيت الله الحرام بقوافل التجار على الطرق المؤدية إلى الأماكن المقدسة، ويشرح حياة مجتمع أهالي مكة المكرمة التي لعبت دوراً مركزياً في مزج الثقافات واللغات وتطوير أساليب الكتابة والخط والمعمار، والتي انتقلت لاحقاً إلى كل ديار العالم الإسلامي.
أما القسم الثالث والأخير فيروي قيام المملكة العربية السعودية وتاريخ توحيدها على يدي المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1876-1953) ويعرض ثوبه وسيفه.
وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز ومدير عام متحف اللوفر هنري لواريت قد وقعا في مقر الهيئة بالرياض اتفاقية لإقامة المعرض، وذلك تنفيذاً لتوجيه خادم الحرمين الشريفين بإقامة معرض عن آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور في متحف اللوفر بفرنسا بناء على اقتراح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك خلال افتتاحهما معرض روائع من الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والآثار في المتحف الوطني بالرياض عام 2006.
وقال مدير متحف اللوفر هنري لواريت «إن معرض (روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) سيكشف التراث السعودي الذي ظل مجهولاً لدى الجمهور الفرنسي»، وأضاف «وإنه لمن دواعي الفخر والشرف مساعدة زوار اللوفر الذين يتوجهون له من مختلف أرجاء المعمورة على استكشاف هذه الحضارة العريقة».
وأكد الأمير سلطان بن سلمان عبدالعزيز أن «هذا المعرض ليس معرضاً فنياً، ولا فعالية علاقات عامة، وإنما هو معرض لإبراز الوجه التاريخي والحضاري للمملكة, وتعريف العالم بالآثار السعودية وما تزخر به المملكة من إرث كبير قامت عليه ثقافتها التي أسهمت في التاريخ البشري، وما تتبوؤه اليوم من مكانة في التواصل الإنساني, خصوصاً أن فترة إقامة المعرض تعتبر الذروة في عدد زوار اللوفر، إذ يشهد المتحف خلال هذه الفترة ملايين الزوار من مختلف مناطق العالم». مشيراً إلى أن هذه المرة هي الأولى التي تعرض المملكة هذه القطع التراثية المميزة والأثرية عن بداية تاريخها، وكذلك عن الحقب الإسلامية المتعاقبة، وعن العصر الحاضر، لتجسد دورها التاريخي، وأيضاً مكانتها الإسلامية باحتضانها الحرمين الشريفين.

pantoprazol 60mg pantoprazol yan etkileri pantoprazol iv
ذو صلة