مجلة شهرية - العدد (589)  | أكتوبر 2025 م- ربيع الثاني 1447 هـ

واحة الثقافة والأدب

 

مثّلت محافظة الأحساء ولاتزال، وعبر عقود، مصدراً من مصادر الخصب والنماء في المملكة العربية السعودية. وقبل ذلك، وعبر قرون ممتدة، كانت هي الملاذ الآمن لمن ضاقت بهم ذات اليد وأعيتهم الحيلة في طلب العيش الكريم، حيثُ النخيل البواسق التي بالكاد تستطيع حمل عذوق تمورها المعطاءة، وحيثُ الماء الزلال المنساب في سواقي وجداول تمنح الحياة وتعطي الخصب والتفاؤل.
أحسب أن لكل مواطن أو مقيم في المملكة العربية السعودية قصة مع هذه الواحة العزيزة، فهي اليوم مقصد سياحي، بما تتوافر عليه من عمق حضاري وتاريخي ومعالم وشواهد أثرية لاتزال ماثلة، تحكي قصصاً من تاريخ ممتد عبر قرون.
في هذا العدد من «المجلة العربية» نقدم ملفاً عن «ثقافة الأحساء» بآدابها وفنونها، وحاضرها الثقافي، إلى قرائنا الكرام ليطلعوا على شيء من ملامح وواقع تلك الثقافة والأدب والفن.
على المستوى الشخصي، زرتُ هذه الواحة الجميلة مرات عديدة، غير أني أُسجل هنا زيارتين، كان لهما الأثر البارز، فيما كتبته ونشرته.
الزيارة الأولى، كانت قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، برفقة الأديب الكبير عبدالكريم الجهيمان، رحمه الله، والأستاذ محمد القشعمي، وقد أمضينا أياماً جميلة وماتعة في سهول تلك الواحة، التقينا فيها بعدد من أدبائها ومثقفيها ومبدعيها، وكان الفنان التشكيلي الزميل أحمد المغلوث هو فارس تلك الرحلة ومضيفها، فله الشكر الوافر.
في هذه الرحلة تعرفت إلى الأديب الشاعر الرائد عبدالرحمن المنصور، ابن الزلفي، الذي استوطن الأحساء بعد تقاعده من عمله في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في عام 1964م، وأجريتُ معه حواراً مطولاً، كان نواةً لكتاب صدر عنه عام 2003م، وهو الشاعر المحلّق المتمرد، والرائد في كتابة قصيدة التفعيلة، حيثُ نشر له الشيخ حمد الجاسر قصيدة «أحلام الرمال» في العدد الأول من مجلة اليمامة عام 1953م، وتُعد قصيدته تلك أول قصيدة تفعيلة تُنشر في صحافة المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية.
الزيارة الثانية، كانت قبل سنوات، هدفتُ من خلالها لمقابلة الشيخ سعد المنقور، الوجه الأحسائي المعروف، الذي انتقل من حوطة سدير في مطلع شبابه واتخذ من الأحساء مستقراً له ومنزلاً، وهو أخ للشيخ الوزير السفير ناصر المنقور، وقد تحدث لي سعد المنقور عن طفولته ونشأته مع أخويه: عبدالمحسن وناصر، مما ضمّنته كتابي: «ناصر المنقور أشواك السياسة وغربة السفارة».
تلك هي الأحساء، واحة الثقافة والأدب، وهي هجر التاريخ ومهجره.

 

ذو صلة