اعتدت أن أتحدث لابنتي منذ أن كانت جنيناً بأحشائي، وقصصت عليها الحكايات منذ أيامها الأولى بالمهد بعضها من ذاكرتي وما اختزنته من حكايات جدتي وأمي وبعضها الآخر من حصاد قراءاتي ومشاهداتي، وكلما كبرت ازدادت تعلقاً وشغفاً بـ(حدوتة قبل النوم) ولمست استيعابها للصواب والخطأ، والخير والشر التي لا تخلو منه كل حكاية.
لذا حرصت على تنوع ما أرويه لها لأنه يشكل خيالها من ناحية ويغرس فيها بعض القيم من ناحية أخرى وتذكرت عندما كنت طفلة صغيرة كم أعجبت وعشت مع حكايات أميرات والت ديزني مثل (الجمال النائم) و(الأميرة والأقزام السبعة) و(سندريلا) وغيرها، وربما حلمت يوماً بالفارس الذي سيأتي في الوقت المناسب ويخطفني على حصانه الأبيض، ورغم استمتاعي في طفولتي بتلك القصص ترددت قبل أن أقصها عليها؛ لأن جيل ابنتي ربما لا تروقه مثل هذه الحكايات في زمن الطائرات بدون طيار والسيارات ذاتية القيادة والهاتف الذكي الذي جعل العالم كله بين يديها بلمسة زر!
وفي تلك الليلة ولحظة أن حان موعد (حدوتة قبل النوم)، أخذتها بين أحضاني وجرت على لساني حدوتة (الجمال النائم)، وعند عبارة (نامت الأميرة يوم عيد ميلادها السادس عشر) وجدت (أميرتي) غطت في النوم هي الأخرى وابتسامة هادئة تضيء وجهها الملائكي. أحكمت الغطاء حولها وتمنيت لها نوماً هادئاً وأحلاماً سعيدة.
وفي اليوم التالي لم تستجب لنداءاتي الصباحية لإيقاظها، فتحت عينيها ثم عاودت النوم من جديد، تحسست جبينها فحرارتها تبدو طبيعية، تركتها نائمة معللة أنها لم تأخذ قسطاً كافياً من النوم ومازالت طفلة صغيرة لن يضر إن أخلفت يوماً موعدها الصباحي خصوصاً ونحن في الإجازة الصيفية وقبل الظهر بقليل عاودت إيقاظها محمسة إياها بضرورة اللحاق بصلاة الصبح، ولم تستجب أيضاً حتى فزعت وهززتها وأمسكت بيدها لقياس نبضها ووجدتها مازالت على قيد الحياة ولا أعرف ماذا ألمّ بها.
بدلت ثيابي وثيابها ومشت معي بخطوات بطيئة كسيلة حتى موقف السيارات، أجلستها بالمقعد الخلفي وثبتّ لها حزام الأمان وانطلقت بسيارتي أسابق الزمن ومن حولي متجهة إلى عيادة طبيبها الذي يتابعها منذ أن كانت رضيعة، وظاهرياً تبدو طبيعية تماماً وشخص حالتها قائلاً: أتوقع أن تكون غافلتكم وتناولت أحد العقاقير الطبية المهدئة أو المنومة.
وبحزم أكدت له: إننا لا نتعاطى مثل هذه الأدوية ولا وجود لها ببيتنا.
وطلب إجراء قائمة تحاليل عاجلة لعلها ترشده عما ألمّ بها، وجاءت نتائج التحاليل كلها طبيعية واستمرت (أميرتي) في النوم لأسابيع متتالية تستيقظ لساعات معدودة لتدخل الحمام وتأكل الطعام ومن ثم تظل طريحة الفراش خاملة صامتة.
لم أدع طبيب أطفال أو مخ وأعصاب إلا وذهبت إليه، وبعد شهور طويلة من الحيرة والمعاناة والتنقل من طبيب لآخر ومن مركز أشعة لمعمل تحاليل حتى أجمع أكثر من طبيب أنها تعاني من مرض نادر يسمى متلازمة (كلاين ليفين) أو متلازمة (الجمال النائم)، ولا يوجد علاج دوائي يشفي تماماً هذا المرض، والدواء الذي وصفه لها الطبيب حقق نسبة شفاء تقترب من الخمسين بالمئة من الحالات لكن مفعوله يحتاج إلى عدة أسابيع أو شهور وفقاً لتفاعل جسمها معه.
إلى جوارها أمضي ساعات طويلة بينما هي في سباتها الطويل وحدوتة (الجمال النائم) أراها مجسدة أمامي على الرغم من أن ابنتي لم تتجاوز التاسعة من عمرها بعد وبيتنا جميل وأنيق لكن لا يضاهي قصر أميرة (الجمال النائم)، وتنهمر الدموع من مقلتي والحسرة تعتصرني واليأس يحاصرني وسرعان ما أعاود التشبث بالأمل عندما يلوح بذهني مشهد الأمير المحب الذي أعادها لحياتها الطبيعية من قبلة بشفتيها.
وبيني وبين نفسي:
- هل يوجد على وجه الأرض في تلك اللحظات العصيبة من يحبها أكثر صدقاً مني؟
لم أجد رداً إلا حرقة قلبي ودموعي المنهمرة.
نمت إلى جوارها راغبة في استيقاظها وضممتها إلى صدري وكأني أطرد المرض عنها، قبلت جبينها ووجنتيها وشفتيها وكفيها بحب وحنان ورجاء لعل إحداها تحمل شيفرات (قبلة الحياة)!