مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

لماذا يجب أن تقرأ خافيير مارياس

لقد سلبنا موت المؤلف الإسباني تحقيقاته الاستثنائية والمثيرة للواقع.
لم ينل خافيير مارياس جائزة نوبل التي يؤمن الكثيرون، بمن فيهم أنا، أنه يستحقها. لا يهم. لقد نال العديد من الجوائز حينما كان على قيد الحياة. الخسارة الأعظم هي أننا لن نحظى بالمزيد من رواياته الاستثنائية. ليس ثمة كاتب آخر مثله، بالتأكيد ليس باللغة الإنجليزية. لقد كان أصيلاً تماماً، راضياً بالفلسفة العبثية للثقافة الشعبية بالأسلوب الكتابي والخيال الأدبي. كان مهتماً وحريصاً بكتاب الماضي العظماء والكلاسيكيات، عبر العديد من التقاليد الوطنية، بصراحة وجرأة مباشرة.

ربما كان مارياس، قبل كل شيء، كاتباً عالمياً عميقاً. قام بالتدريس في كل أنحاء العالم وقال إنه (لا يؤمن كثيراً بالآداب الوطنية). إذ كانت الترجمة شغله الشاغل في حياته وعمله، فقد ترجم نابوكوف وهاردي وفولكنر وكونراد، من بين آخرين كثر. حيث كان في منزله في أكسفورد ومدريد على حد سواء.
ولم يمانع في أن تكون لها شخصيات متعددة اللغات متلاعبة ومتوارية بالكلمات، ليتقمص الليدي ديانا سبنسر، بطريقة مثيرة للشك بسبب (لغتها الإنجليزية الفظيعة والمليئة بالأخطاء).
لكنه لم يترجم أعماله بنفسه أبداً، إذ (تمت ترجمة معظم رواياته إلى الإنجليزية من قبل الرائعة مارغريت جل كوستا) ثم فاز بجائزة، في بداية حياته المهنية، عن ترجمته لتريسترام شاندي، وهناك شيء من ستيرن في رواياته: الإغاظة، الاستطراد، والانشغال بين السرد والواقع، الحقيقة والخيال. لقد كان كاتب ميتافتيكالي، ولكن بطريقة مرحة وليست رسمية.
في المجلد الأول من روايته وجهك غداً: حمى ورمح عام 2002، الراوي (مثل بطل الرواية 2017 بيرتا إيسلا، المترجم الذي أصبح نوعاً ما جاسوساً) يفتش عبر رفوف كتب أكسفورد الخاصة (بدون) ويعثر على سلسلة من طبعات إيان فليمنج النادرة الأولى موقعة لمضيفه.
الكتب لها جو وأسلوب مثير بشكل لا يوصف: كثيفة، غامضة، إهليجية، ومؤثرة وفي كل الأحوال قد لا يبدو هذا ممتعاً للقارئ، ويجب أن أنوه أنه كان مضحكاً للغاية، أنت تتسابق مع رواياته عبر ضباب كثيف ومثير للاهتمام، في ثلاثيته الرائعة (وجهك غداً)، ألف قصصاً مثيرة كما ينثرها شاعراً قد تتداخل الصور والسرد والعبارات أو حتى الكتب ببعضها البعض. يحفر الجاسوس بهوياته المتعددة أو المترجم في مكان ما بين اللغات والثقافات، لقد أصبح رمزاً لمارياس المجهول في الحقيقة والواقع. إنه روائي المراوغة وسوء الفهم بلا منازع.
(هذا ما قاله توبرا بلكنته المصطنعة أو ربما كانت لكنته الحقيقية داخل سيارته الرياضية، عبر وهج الضوء القمري لمصابيح الشارع جالساً على يميني، ويداه ماتزال مسترخيتان على عجلة القيادة، يضغط عليها أو يخنقها، لم يكن يرتدي القفازات بعد، أخفوها بعيداً متسخة ومبللة وملفوفة بورق التواليت داخل معطفه إلى جانب سيفه). هذا الشيء جوك. الخوف. أضاف: لقد كتب في جمل واسعة متكررة متتبعاً الترددات والتناقضات والأفكار كثيرة التشابك والتعقيد: جرعة بروستيه مع رشقات نارية مفاجئة من العنف المتطرف.
كانت مواضيعه عظيمة: الوقت والذاكرة، القوة والقسوة، الهوية، الخيانة، الخداع، وقبل كل شيء خداع الذات. بطل رواية وجهك غداً لديه غريزة وفراسة خارقة للطبيعة تقريباً لقراءة الآخرين - لرؤية ما ستكون عليه وجوههم غداً - لكنه لا يستطيع أن يجعلها ذريعة لدوافعه الخاصة.
إنه مختلف عن خايمي وجاك وجاكوبو وجاك ودييجو وياجو - مارياس، شكسبير، يذكرنا: (أنا لست ما أنا عليه). قال ذات مرة في مقابلة إن الروائي (ليس من المفترض حقاً أن (يجيب) عن الأشياء، ولا حتى لجعلها أكثر وضوحاً، بل بالأحرى أن يستكشف -غالباً بشكل أعمى- مناطق الظلمة الهائلة ويظهرها بشكل أفضل).
ولكن بقدر ما كان منشغلاً بالتغيير والشك (عند الكتابة، قال إنه استخدم البوصلة بدلاً من الخريطة: (أعلم أنني أسير إلى الشمال، دعنا نفترض ذلك، ولكن ما وجدته مفاجأة)، أدرك أخيراً كيف ينهي الوقت بعض الأمنيات. كانت هذه عادته، بمجرد حصوله على فرصة، هو أن يتركها: (أنا أطبق نفس المبدأ الذي نتبناه في الحياة. قد نرغب في سن الأربعين، على سبيل المثال، أننا لو لم نتزوج هذا الشخص عندما كنا أصغر سناً، لكنه جزء من حياتنا. سيغير معظم المؤلفين الخطأ، لكنني ألتزم به، أجعله ضرورياً). تحدث في مكان آخر من عمله عن كيف أن الماضي (يتحول إلى خيال) دائماً.
يبدو أنه من المناسب لانشغالاته أن -كما الملك كزافييه الأول- قدم مارياس ادعاءً متنازعاً عليه بأنه ملك ريدوندا، الملك شبه الخيالي لدولة كاريبية صغيرة غير مأهولة. تعود ملكية لريدوندا الخيالية إلى ادعاء (ربما خدعة) للكاتب الخيالي الإدواردي النائب شيل وتلميذه جون جاوزورث، الذي ورث التاج والذي وصفه مارياس بأنه (شاعر/ سكير/ وشحاذ). خلال (حكمه)، كانت الألقاب الأرستقراطية الزائفة التي وزعها مارياس على نفسه وسيلة، ربما، لوضع نفسه في إطار القانون: كان جون أشبيري، وأرتورو بيريز-ريفرتي، ودبليو جي سيبالد، وآس بيات، وبيير بورديو، وبيدرو ألمودوفار، وجوناثان كو من بين تلك التي أعطيت ألقاب دوقيات خيالية.
أيندو باتت دون ملك، وومارياس الآن خارج نطاق الترجمة. (الوحيدون الذين لا يتشاركون لغة مشتركة، جاكوبو)، أحد شخصياته يحذر شخصاً آخر، (هم الأحياء والأموات).

ذو صلة