عبدالله بن فهد آل سلطان ثاني أمين عام لمجلس الوزراء السعودي
سلطانة بنت عبدالله آل سلطان: الرياض

يقرأ الأخبار على مسمع من الملك عبدالعزيز آل سعود
مولده ونشأته
ينتمي المترجم له إلى أسرة من أسر الرياض القديمة، تولت مهمة الأذان في الجامع الكبير بالرياض (جامع الإمام تركي)، لما يقارب قرنين من الزمان، بدءاً من الجد سلطان بن فهد آل سلطان، المتوفى عام 1282ه، والذي كان له ابنان: عبدالله، وفهد. وقد خَلَف عبدالله والده، ثم تولى بعده ابنه سلطان، ثم محمد بن سلطان.
أما فهد بن سلطان فقد كان طالب علم، ومن فرسان الإمام عبدالله بن فيصل، وقتل في معركة أم العصافير عام 1300هـ. وكذلك الحال بالنسبة لابنه سلطان بن فهد، الذي كان من فرسان الملك عبدالعزيز، تلاه ابنه فهد بن سلطان السلطان، الذي غادر الرياض إلى الأحساء ليكون من خاصة فرسان الأمير عبدالله بن جلوي. وفي الأحساء تزوج فهد السلطان من موضي الحمدان، فرزق بابنه عبدالله، المترجم له، عام 1343ه.
وفي السنوات الأولى من نشأة عبدالله في حي الكوت بالأحساء، كان يسمع من والده أخبار الملك عبدالعزيز وانتصاراته. وقد فقد أربعة من إخوانه في الأحساء، فبقي وحيداً، مما شكل مفترقاً في تربيته، وذلك بشدة حرص والدته عليه واهتمامها الكبير في تعليمه.

على يمين الملك فيصل في إحدى جلسات مجلس الوزراء
تعليمه في مكة المكرمة
عندما بلغ عبدالله الخامسة من عمره، انتقل والده إلى مكة المكرمة للعمل مع الأمير فيصل بن عبدالعزيز، نائب الملك على الحجاز. وفي طريقهم مروا بمدينة الرياض فتوقفوا بها قليلاً ثم أكملوا الطريق، وقد لمع في رأس الطفل عبدالله سؤالٌ: أهذه هي الرياض، حيث الملك العظيم عبدالعزيز، وحيث موطن أهلي وأجدادي، والتي طالما سمعت عنها كثيراً من والدي؟
صوت تساؤلاته كان عالياً، فوعدته والدته أنه سيعود إليها يوماً عالي الشأن والمكانة.
وفي مكة بدأ تعليمه بمدرسة الفلاح، حتى أتمَّها ليكون من القلة القلائل من أبناء نجد عامة والرياض خاصة الذين تعلموا بهذه المدرسة في منتصف القرن الرابع عشر الهجري. وكان من حسن حظه التحاقه بهذه المدرسة التي خرّجت رموزاً سياسية واقتصادية وأدبية واجتماعية من الرعيل الأول ممن حملوا على عاتقهم بناء وتأسيس الوطن في بداية نهضته.
بعد تخرجه منها التحق بالمدرسة اللاسلكية في مكة المكرمة، بعد أن أتم فيها التدريب في بعض المحطات اللاسلكية، وعندما أنهى دراسة البرقية لم يوظف لصغر سنه. ولأنه كان يعرف خفايا جهاز البرقية والاتصالات اللاسلكية فقد استغل وقته بالبحث عن جهاز برقية، فوجد جهازاً قديماً فأصلحه، وكانت تساعده أخته الصغيرة، حيث تحملُ اللاقط له في سطح البيت، فحاول أن يرسل برقية إلى مركز اللاسلكي بالديرة بالرياض، وكرر ذلك عدة مرات، ولا يعلم إن كانت قد وصلت لهم أم لا! إلى أن زارهم أحد موظفي مصلحة البرق والبريد يسأل عنه، فسمعته والدته وهو يسأله: هل أنت الذي أرسلت البرقية إلى الرياض؟ لذلك فرح وشعر بالفخر لنجاح محاولته، وقال بكل ثقة: نعم. لكن سعادته لم تلبث طويلاً حين قال له موظف البرقية غاضباً: أنت أيها الطفل! هل تظن أن البرقية لعبة تلعب بها؟ فرد عليه بسرعة وثقة قائلاً: أنا لست طفلاً، أنا رجل. ثم أخذ بيد موظف البرقية ليشاهد جهازه القديم. فدُهش الموظف بما شاهده أمامه، وطلب منه بحزم ألا يكررها مرة أخرى، فعاهدته والدته، ونهت ولدها عن ذلك.
حزن كثيراً، فطلبت منه والدته أن يتوكل على الله، فخير الله عظيم. أما الموظف فعاد إلى مدير البرقية، إبراهيم سلسلة، وأخبره بما شاهده، فأمر بتوظيفه فوراً، وكان عمره خمسة عشر عاماً.
لقد كان منذ مطلع شبابه هاوياً للأجهزة الكهربائية، فكان يتقن أعمال الكهرباء وتصليح الأجهزة وتفكيكها وتركيبها وتصليح الراديوهات والساعات، كما كانت لديه هوايات أخرى مثل القراءة، واقتناء آلات التصوير، وكان لديه معمل لتحميض الصور.
البرقية
عمل ثلاث سنوات في قصر الملك عبدالعزيز في الدوادمي، وهو القصر الذي زوِّد بمحطة لاسلكية لمتابعة أحداث الطرق، حيث تسكن عواصف البرقيات تحت ظل قلم بيد شاب في غربةٍ وفراق. كانت والدته ترسل له كل أسبوعين صندوقاً صغيراً مع سيارة البريد المارة بالدوادمي في طريقها ذهاباً وإياباً، من مكة إلى الرياض، يحتوي على مونة تكفيه لحين مرور سيارة البريد الأخرى، فينقلون له أخبار والدته وسلامها، كما ينقلون أخباره لوالدته. وأثناء وجوده في قصر الملك عبدالعزيز في الدوادمي مرَّ عليهم الوزير المفوض الياباني يوكوياما في رحلته اليابانية للجزيرة العربية سنة 1358ه، وكتب في كتابه: (...بينما الآخر يعمل على الآلة، سعودي من نجد، كلاهما هادئ ومهذب جداً. قام النجدي بإرسال برقية إلى الملك، أرسلها بسرعة) إيجرو ناكانوفس.
بعد عام من عمله مساعد مأمور لاسلكي، رُقّي إلى مأمور مخابرة بعد أن أتم ثلاثة أعوام بالدوادمي، وجاء أمرُ نقله منها إلى مركز البرق بقصر إبراهيم في الأحساء. ولم تكن الأحساء غريبةً عليه، فطريقٌ أخذه منها أعادهُ لها. فمن الدوادمي إلى الأحساء كانت الرحلة مليئةً بالذكريات.
قضى فترةً في الأحساء ثم نُقل إلى مكة مرةً أخرى معلماً في المدرسة اللاسلكية لمدة عام.

مع الملك فهد بن عبدالعزيز وفي الخلف غازي القصيبي
في ديوان الملك عبدالعزيز
كان من مهام ديوان الملك عبدالعزيز رصد الأنباء والأخبار المتوالية عبر الإذاعات العالمية، وكان القسم المعين بذلك بحاجة إلى زيادة عدد موظفيه، وقد سبق للملك عبدالعزيز أن رأى الشاب عبدالله بن سلطان حينما كان يعمل بالبرقية في قصر الملك بالدوادمي، خلال استراحة للملك أثناء سفره بين نجد والحجاز، كما أن الملك، رحمه الله، يعرف ولاء أسرته، فأمر في عام 1364هـ أن يُنقل عبدالله من مصلحة البرق والبريد إلى شعبة الإذاعة والأنباء في الديوان الملكي.
ومن بين تلك اللفتات الجميلة في الديوان الملكي أن الأمير منصور بن عبدالعزيز، وزير الدفاع، قد أعدَّ قائمة بأسماء مجموعة من الرجالات الثقات للعمل معه في وزارته، وعرضها على الملك لأخذ موافقته، وبعد أن تأمل الملك عبدالعزيز قائمة الأسماء، التي كان من بينها اسم عبدالله بن سلطان، قال للأمير منصور: موافق عليهم كلهم إلا ولدي عبدالله خله عندي.
وبلا شك فهذا الاستثناء الكريم أمر في غاية الأهمية، وله دلالات كبيرة على ما لمسه الملك عبدالعزيز لدى هذا الشاب من حرص واهتمام، وقد جعله من خاصة مرافقيه من المذيعين، وكان المسؤول عن الشنطة الملكية (وهو مسمى لجهاز الراديو والتليجراف الخاص بالإذاعة من خلال الاتصال اللاسلكي من أي موقع للمحطات أو المراكز اللاسلكية بالوحدة اللاسلكية المصاحبة للملك، كما تستطيع الاتصال المباشر بجميع هذه المراكز اللاسلكية) في تنقلاته المحلية والخارجية، وليدخل عليه في جناحه الخاص حاملاً مستجدات الأنباء. فالمؤسس مدرسة عظيمة، والبقاء بقربه يغني عن أعظم الدروس السياسية. ومن تلك الزيارات الرحلة الملكية إلى مصر عام 1365هـ، والتي قُلِّد فيها نيشان النيل من الطبقة الخامسة، وزيارة الملك عبدالعزيز التفقدية لشركة أرامكو عام 1360هـ.. وغيرها، حيث كانت الأخبار على مائدة الصيد في الرحلات البرية.
وبعد أن انتشرت الإذاعات، وأنشئت مديرية الإذاعة والصحافة والنشر في عهد الملك سعود، بدأت أعمال الشعبة السياسية تنحصر تدريجياً لتقتصر على متابعة ما تنشره الصحافة العربية والأجنبية، وأصبحت تُسمَّى شعبة الصحافة، فتفرَّق موظفوها، ونُقل عبدالله آل سلطان إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء فور تأسيس المجلس.
في الأمانة العامة لمجلس الوزراء
في رجب عام 1373هـ، وجَّه الملك سعود بن عبدالعزيز بنقل عبدالله بن فهد آل سلطان من الديوان الملكي إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بوظيفة (سكرتير اللجنة المالية). ومع انطلاقة أول اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة الملك سعود بن عبدالعزيز، كان عبدالله آل سلطان يجلس على يسار الملك سعود في جلسة المجلس.
وبعد عامين رُفع من سكرتير اللجنة المالية إلى مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء، ثم الأمين العام لمجلس الوزراء المساعد، فالأمين العام لمجلس الوزراء.
ومنذ انعقاد أولى جلسات مجلس الوزراء، كانت مناقشاته وتداولاته تدوَّن وتحفظ ولا يعلن عنها للإعلام إلا ما سُمح به، وبتعيين الدكتور محمد عبده يماني وزيراً للإعلام، وفي أول جلسة يحضرها سأل الوزير عن محضر الجلسة؟ فتفاجأ الأمين العام للمجلس، وقال له: هذا عملنا. فلما خرج الدكتور يماني من المجلس، وجد الإعلاميين فقدم لهم تقريراً عن الجلسة، فغضب الأمين العام لمجلس الوزراء، متسائلاً: كيف قرارات المجلس تُعلن في الأخبار؟ فاتصل بالملك خالد وبولي العهد وأخبرهما، فعقد الملك خالد وولي العهد الأمير فهد اجتماعاً مع وزير الإعلام حضره الأمين العام لمجلس الوزراء، ناقشوا فيه الأمر، ثم تقرَّر أن يكون هناك تصريح رسمي لوكالة الأنباء السعودية عقب كل جلسة للمجلس. ومن هنا بدأ التصريح الرسمي لوكالة الأنباء السعودية بعد كل جلسة من تاريخ 19/ 10/ 1395هـ.

يُصغي لتوجيهات الأمير (الملك) عبدالله بن عبدالعزيز
الأب والإنسان
الفترة بين عام 1384هـ و1389هـ، كانت من أصعب السنوات التي مرَّت على المترجم له، سنوات فقد فيها ثلاثة من أبنائه في حوادث مأساوية، وكان في كل مرة يعود إلى عمله، ويسأله الملك فيصل، كيف يا أخ عبدالله تأتي للمجلس وولدك متوفي البارحة؟ فيرد عليه قائلاً: مهام الدولة أمانة لا يمكن تأخيرها، ولا بد أن تؤدى في وقتها.
كان شاعراً لكنه يخفي شاعريته خلف مهامه وأعماله الإدارية ومسؤولياته. كما كانت لديه هواية التصوير، وقد نشأت لديه منذ الصغر، وكان يحرص على اقتناء أنواع مختلفة من كاميرات التصوير، التي لم تكن تفارقه في حضره وسفره، مما شكّل لديه أرشيفاً من الصور الفوتوغرافية.
التقاعد والوفاة
قدم الأمين العام لمجلس الوزراء عبدالله بن سلطان طلب إعفائه عن العمل عدة مرات، لحاجته للراحة، فهو لا يتوقف عن العمل، ولم يكن يأخذ إجازاته السنوية طيلة اثنين وثلاثين عاماً، وفي كل مرة يؤجل طلبه، إلى أن وافق على طلب تقاعده خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1405هـ، فنال تقاعده وتفرّغ لبيته وأولاده، وكان دائماً يردد بيت أبي العلاء المعري:
تعــــــبٌ كُلها الحيــــاةُ فمــــا أعـــــ
ـجب إلا من راغـــــبٍ في ازديادِ
توفي، رحمه الله، بعد معاناة طويلة مع المرض عام 1421هـ، عن عمر يناهز الثامنة والسبعين عاماً.