شغفه هندسة الكلمات، هو شاعر يجيد العزف على أوتار الشجن وتطرب له أرواح العاشقين والمحبين، الشعر بالنسبة له مستوى آخر من الحياة، ويراه (الجذوة المشتعلة التي تحتطب لها من شبابك كي لا تنطفئ).
المجلة العربية التقت بالشاعر الشاب عبداللطيف بن يوسف بعد عودته من رحلته الشعرية التي قام بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية شاملة ولايتي نيويورك ورودأيلاند، في 17 - 20 من شهر يوليو من هذا العام. وهو أول شاعر سعودي يرتجل الشعر أمام الجمهور الأمريكي، ملقياً مجموعة من الأمسيات الشعرية والحوارية حول القصيدة العربية وتجربته الشعرية الشخصية، بحضور عدد من الشعراء والنقاد الأمريكيين. وذلك ضمن مبادرة (جسور إلى السعودية) التي أطلقها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي، ليؤكد من خلال رحلته الشعرية أن الشعر لغة عالمية موحدة، بما يحمله من قيم إنسانية سامية تتخطى حدود الجغرافيا. صدرت للشاعر عبداللطيف بن يوسف مجموعتان: (لا الأرض أمي لا القبيلة والدي) و(رَوِيّ)، كما حقق المركز الثاني في مسابقة ديوان العرب التي تنظمها مؤسسة عبدالعزيز بن سعود البابطين. فإلى الحوار:
- ما الذي يولد القصيدة لديك التأمل أم الإلهام؟
في الحقيقة لا أدري بالضبط، وربما هذه أكبر متعة في الشعر، وهي أنك لا تعلم من أين يأتي، ولكنه يأتي، ويدهشك أحياناً.
- هل تمثل القصيدة حياتك وأفكارك؟
ربما أرى أن الشعر هو المستوى الآخر من حياتي، وليس ترجمة لها. هو ربما الاحتمالات التي لم تتم، والاقتراحات التي لم يُؤخذ بها، والأفكار التي لم أتبناها، والشعر هو مديح الغائب دائماً.
- أ مازال عبداللطيف متمسكاً بمقولته: (إن الشاعر يبحث عن الخلود) أمام الزمن؟
بلا شك رهان القصيدة ليس الآني بل المطلق، ومازلت متأكداً من أن ذلك ممكن ومستطاع، ولكن لا يمكن التنبؤ به أبداً؛ لأن النصوص التي تخلد عادةً ما تكون كتبت لسبب يومي عادي، والخلود حدث عابر كما قال ميلان كونديرا.
- ذات لقاء ذكرت أنك قلق من عدم الاستمرار في كتابة القصيدة، هل مازال هذا القلق موجوداً أم تلاشى؟
هذا النوع من القلق لا يغادرني، وأظنه لا يغادر أي شاعر؛ لأن الشعر جذوة مشتعلة تحاول أن تحتطب لها من شبابك كي لا تنطفئ.
- يلحظ قارئ مجموعتك الأخيرة (روي) أن ملامح قصيدتك اختلفت عن ديوانك الأول؛ ما تعليقك؟
بلا شك التجربة الشعرية تختلف من مرحلة إلى أخرى، وذلك يكون انعكاساً للتجربة الحياتية وللقراءات وللمرحلة العمرية، ومن يقول لي إنك اختلفت في (رَوِيّ) عن سابقه، أقول له إنك سترى اختلافات أكبر وأكثر حدة في التجارب الشعرية القادمة.
- ما الشعور الذي خرجت به بعد إلقائك مجموعة من قصائدك أمام الجمهور الأمريكي، خصوصاً أنها المرة الأولى؟
أول انطباعاتي هو أنني لم أحلم يوماً، بل لم أتوقع حتى أن تخترق أبياتي حاجز اللغة، وأن أرى القصيدة وهي تتنفس في الرئات البعيدة. لقد كان شعوراً فاتناً ولا أستطيع أن أخفي سعادتي به، لأنك بذلك تستطيع أن تبحر بهموم شعبك وأحلامه، وأن ترسو بها في شاطئ بعيد لم يسمع بك إلا كثقل سياسي واقتصادي.
- من خلال رحلتك الشعرية نود أن نعرف منك كيف ينظر الجمهور الأمريكي للمملكة ثقافياً وحضارياً؟
الجمهور الأمريكي يتميز للأمانة بميزة أنه محب للاستكشاف ومليء بالفضول والأسئلة، وكانت أكثر الملاحظات قائمة على أن الجمهور لم يأخذ الوقت الكافي في المداخلات. ولكن كيف ينظر؛ ثقافياً: هو ما يزال يراك الشرق السحري الذي يجده في ألف ليلة وليلة، وحضارياً: المملكة بالنسبة للجمهور الأمريكي هي وريث الحضارة العربية والإسلامية.
- أيضاً كيف تقرأ تفاعل الجمهور الأمريكي مع القصيدة العربية؟
للجمهور الأمريكي طبيعة مختلفة عن طبيعتنا في التلقي، فهم يغلقون أعينهم ويحاولون التركيز في النص والإبحار في الإيقاع والمعنى، وذلك مخالف للجمهور العربي الذي يتواصل مع الشاعر بعد كل بيت سواءً بالتصفيق أو عدمه، للإعلان عن إعجابه أو استيائه.
- من خلال مشاركتك ضمن مبادرة (جسور إلى السعودية) التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي، كيف تقيم المبادرة التي اهتمت ودعمت الكفاءات الشبابية الوطنية؟
تم ترشيحي من قبل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) ضمن مبادرة (جسور إلى السعودية)، وأنا ممتن جداً لهذه الفرصة كأول شاعر سعودي يقوم بجولة شعرية في الولايات المتحدة. وقد شمل برنامج (جسور إلى السعودية) أكثر من 30 شخصية سعودية حتى الآن في مجالات متعددة. وفي ظني أن هذه البرامج تنعكس إيجابياً على صورتنا عند الآخر، وصورة الآخر في أذهاننا، وقد واجهت ذلك شخصياً، فأنا الآن أستطيع أن أقول إن القصيدة لم تعد كما كانت قبل نيويورك.
- كيف تقيم حالة الشعر في المملكة والعالم العربي؟
لا أقيم؛ لكني أقول دائماً إن الشعر لا يفنى، ولا يستحدث من العدم، ولكنه يتشكل من حالةٍ إلى أخرى، والشعر باقٍ ما بقيت العربية، لذلك لا أراقب ما يحدث، وأحاول بقدر المستطاع أن أركّز في تجربتي وقراءاتي.
- مع الإقبال الواضح للشعراء الشباب على قصيدة النثر، وبين من يرى أنها لم تضف للشعر العربي شيئاً؛ ما رأيك؟
بالرغم من كون قصيدة النثر نموذج (حداثي) إلا أن الحديث حولها أصبح في غاية (التقليدية). ودعني أخرج من فكرة ماذا قدمت؟ إلى ماذا قدم شعراء قصيدة النثر؟ بقراءتي البسيطة في الفن أجد دائماً أن المبدع هو من يضع القواعد الجديدة، ومازلنا ننتظر في قصيدة النثر ذلك الصوت المتفرد الذي يعيد ولادة هذا الفن، بعيداً عن كل أحاديث النقاد.