انطلقت من بيت محمد الموجي أجمل الألحان التي تغنى بها عبدالحليم حافظ الذي ارتبط بصداقة عميقة مع محمد الموجي رفيق مشوار الكفاح. فعندما كان عبدالحليم يعمل بوظيفة مدرس موسيقى بالتربية والتعليم؛ كان يستقل القطار، ويذهب بعد انتهاء العمل إلى حارة قطاوي في العباسية، حيث يسكن صديقه محمد الموجي، وعندما كان يجده نائماً كان عبدالحليم ينام على الكنبة الموجودة في الصالة حتى يستيقظ صديقه، ويستمع منه إلى ألحانه التي كان يلحنها لكبار المطربين، ويتناول معه وأسرته طعام الغداء، وبعد الجلسة الفنية يعود عبدالحليم إلى بيت شقيقه إسماعيل شبانة الذي احتضن أشقاءه بعد وفاة الأم والأب.
ذات مرة غضب محمد الموجي من صديقه عبدالحليم حافظ بسبب اتجاهه إلى أكثر من ملحن، وتأجيل بعض ألحانه التي كان من المقرر أن يغنيها في حفلاته، وكتبت عنها الصحافة، وزاد غضب محمد الموجي، وأيضاً غضب بعض الملحنين، وبخاصة الذين تعاملوا مع عبدالحليم مثل محمد عبدالوهاب وكمال الطويل؛ عندما قال على الهواء مباشرة في حفل أضواء المدينة وهو يقدم بليغ حمدي: أقدم لكم بليغ حمدي أمل مصر في الموسيقى العربية.
أثناء وجود عبدالحليم حافظ في المملكة المغربية للمشاركة في الاحتفال السنوي الذي تقيمه المملكة تقابل عبدالحليم حافظ مع محمد الموجي وأحمد الحفناوي عازف الكمان وأعضاء الفرقة الماسية ومجدي العمروسي ونخبة من الشعراء والكتاب في أحد الفنادق الكبرى أثناء العشاء، وأحمد الحفناوي قرر في هذه المناسبة عقد الصلح بين محمد الموجي وعبدالحليم حافظ، خصوصاً أن معظم الأغاني التي سيغنيها عبدالحليم في هذه المناسبة من ألحان الموجي، وأيضاً كان أحمد الحفناوي قد استمع في فترة سابقة إلى قصيدة رسالة من تحت الماء للشاعر نزار قباني واختارها محمد الموجي ليلحنها، وأصر أحمد الحفناوي على حجزها لعبدالحليم حافظ.
أثناء حفل العشاء عرض أحمد الحفناوي على الحاضرين فكرة غناء عبدالحليم لحن محمد الموجي لقصيدة رسالة من تحت الماء، فرحبوا بها وصفقوا، وقبل أن ينتهي حفل العشاء تقدم أحمد الحفناوي وأمسك بيد محمد الموجي ويد عبدالحليم حافظ وطلب من الجميع قراءة الفاتحة، وفي نهايتها احتضن عبدالحليم صديقه محمد الموجي، وتم الصلح، وذهب أحمد الحفناوي إلى غرفة مجاورة ومعه أحمد فؤاد حسن ومحمد الموجي وعبدالحليم حافظ، وأصر أن يغني محمد الموجي بصوته على العود مذهب رسالة من تحت الماء، وانبهر عبدالحليم حافظ بالمذهب، وغنى مع صديقه محمد الموجي المذهب عدة مرات لدرجة أن أحمد الحفناوي سحب الكمان وعزف مع محمد الموجي مذهب قصيدة رسالة من تحت الماء وحفظ عبدالحليم:
إن كنت حبيبي ساعدني .. كي أرحل عنك
إن كنت طبيبي ساعدني .. كي أشفى منك
ذات مرة استمع عبدالحليم حافظ لبرنامج حول الأسرة البيضاء الذي كانت تقدمه الإذاعية سامية صادق في البرنامج العام، وقرأت في الحلقة كلمات قصيدة (رسالة من تحت الماء) فاتصل بها عبدالحليم وشكرها على الكلمات الجميلة فقالت: تحب أرسل لك القصيدة؟ فقال: القصيدة عندي.
بعد حفل المملكة المغربية عاد عبدالحليم حافظ مع محمد الموجي ومجدي العمروسي وأحمد الحفناوي والفرقة الماسية إلى مصر، وبعد يوم اتصل عبدالحليم حافظ بصديقه محمد الموجي في شقته الجديدة بشارع البراد بالعباسية، وقال: أنا جاي بكرة البيت عندك لأسمع باقي اللحن، وأسلم على الأولاد وأم أمين (زوجة الموجي)، مكث عبدالحليم حافظ مع محمد الموجي حتى ساعة متأخرة من الليل، وفجأة وجد محمد الموجي صديقه عبدالحليم حافظ في حالة إرهاق وإعياء شديد فقال له: مالك يا حليم تشعر بحاجة؟ قال عبدالحليم حافظ: مفيش حاجة يا محمد، وطلب منه أن يصحبه إلى منزله، لأنه يشعر بأن حالته غير طبيعية، وعلى الفور اتصل محمد الموجي بمجدي العمروسي وأخبره بظروف عبدالحليم المرضية، وبعد أن ذهب عبدالحليم إلى شقته بصحبة صديقه محمد الموجي حضر مجدي العمروسي ومعه الدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص لعبدالحليم حافظ، وكشف عليه، وكانت حالته خطيرة، واتخذت الإجراءات وسافر عبدالحليم إلى المستشفى بلندن ومعه هشام عيسى ومجدي العمروسي وبرفقتهم محمد الموجي، وأجريت الفحوصات اللازمة والتحاليل المطلوبة، وتقرر إبقاء عبدالحليم واستمراره تحت العلاج، وظل بالمستشفي، وتمت عمليات نقل دم إليه، وعاد محمد الموجي إلى القاهرة، واستمر علاج عبدالحليم لفترة طويلة، وبدأت حالته في التحسن. في المستشفى طلب عبدالحليم حافظ من مجدي العمروسي الاتصال بمحمد الموجي لكي يرسل له القصيدة بصوته مسجلة على العود ليحفظها في المستشفى، وتم ذلك، وكان مجدي العمروسي يتردد ما بين القاهرة ولندن، ومعه شريط القصيدة بصوت محمد الموجي، واندمج عبدالحليم مع كلمات نزار، وطلب من محمد الموجي إجراء بعض التعديلات في اللحن، وبخاصة في مقطع (إني أتنفس تحت الماء إني أغرق أغرق)، بحيث يستخدم الموجي الآلات الموسيقية والأنغام التي تجسد حالة الغرق نفسها، وهو ما فعله محمد الموجي عندما ربط بحنكته بعض الآلات الموسيقية مع جيتارين مختلفي الأداء ويعزف عليهما عمر خورشيد الذي نجح في اختيار نغمة من الجيتارين كأنها منبعثة من قاع البحر.
كان عبدالحليم حافظ يطلب نزار قباني بالتليفون ويسدد آلاف الجنيهات لأجل تغيير بعض الكلمات، وكان يفعل ذلك أيضاً محمد الموجي.
تحسنت حالة عبدالحليم حافظ وخرج من المستشفى، وعاد من لندن إلى القاهرة مع مجدي العمروسي والدكتور هشام عيسى، وبعد عدة أيام زاره في بيته محمد الموجي وكمال الطويل ومحمد عبدالوهاب ومصطفى أمين وكمال الملاخ وأنيس منصور والدكتور مصطفى محمود.. وغيرهم.
أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الموسيقية لم يفارق عبدالحليم حافظ منذ وصوله إلى القاهرة، إلا بعد أن يستغرق في النوم، وتقرر أن يغني عبدالحليم حافظ قصيدة رسالة من تحت الماء في حفل شم النسيم بقاعة جمال عبدالناصر بجامعة القاهرة يوم 17 أبريل 1973م، ولكن في إحدى البروفات استمر عبدالحليم في أداء القصيدة لمدة ساعتين، ولذا سقط مغشياً عليه، ودخل في غيبوبة تامة، ومجدي الحسيني عازف الأورج أول من شعر بها، فاستنجد بأحمد فؤاد حسن ومجدي العمروسي ومحمد الموجي وتأجلت البروفة ليوم آخر.
شهد هذه البروفة كمال الملاخ والشاعر الصحفي مصطفى الضمراني، والتقط مصور جريدة الأهرام صورة لعبدالحليم حافظ أثناء سقوطه من فوق الكرسي بسبب الإغماء والدخول في غيبوبة، ونشرها كمال الملاخ في صدر الصفحة الأخيرة لجريدة الأهرام، وعلق عليها بشأن مرض عبدالحليم التي تسبب في تأجيل حفل الربيع لمدة ثلاثة أشهر أخرى، لحين إتمام شفائه، مما جعل التليفونات لا تنقطع في بيت عبدالحليم حافظ للسؤال عن صحته.
اشتد المرض على عبدالحليم حافظ وبعد ثلاثة أسابيع من العلاج الذي كان يشرف عليه طبيبه الخاص الدكتور هشام عيسى؛ عاد عبدالحليم إلى البروفات مرة أخرى استعداداً للحفل الذي تقرر أن يقام يوم 5 أغسطس عام 1973 بدلاً من يوم 17 أبريل، وذات مرة، وفي ساعة متأخرة من الليل؛ انتهت البروفة، واستعد الجميع للانصراف، فإذا بعبدالحليم حافظ يفاجئهم بطلب لم يتوقعه أحد، وهو إجراء البروفة النهائية للقصيدة، فقال له محمد الموجي وأحمد فؤاد حسن: كفاية النهارده كده ياحليم أنت تعبت وخلي البروفة النهائية بكرة.. ولكن عبدالحليم أصر على ذلك، وجلست الفرقة الموسيقية بأكملها مرة أخرى، وطلب عبدالحليم من مهندس التسجيل تسجيل البروفة كاملة على التسجيل، وانتهت البروفة مع صوت أذان الفجر.
في صباح اليوم الثاني تلقى عبدالحليم حافظ اتصالاً هاتفياً من الشاعر نزار قباني يسأل عن صحته، وما إذا كان الحفل سيقام في موعده أم أن هناك تطورات؟ فطمأنه عبدالحليم حافظ، وأخبره بأن الإذاعة سوف تنقل الحفل على الهواء مباشرة، وأيضاً سينقله التليفزيون، وأنه سيذهب مع الفرقة لإجراء بروفة نهائية على المسرح قبل الحفل بساعتين.
جاء موعد الحفل واكتظت قاعة مسرح جامعة القاهرة بالجمهور، وبعد فتح الستار ظهرت الفرقة، وقرأ مذيع الحفل القصيدة كاملة، وظهر عبدالحليم حافظ واستقبله الجمهور بحفاوة بالغة، وبدأ عبدالحليم الحفلة بأغنية أحلف بسماها وبترابها كلمات عبدالرحمن الأبنودي وألحان كمال الطويل، وقاد الفرقة الموسيقية أحمد فؤاد حسن، وغنى حليم في هذه الحفلة رسالة من تحت الماء، وكان الجمهور في قمة الإنصات إلى عبدالحليم حافظ، وكان الشاعر نزار قباني يستمع إلى القصيدة، وسجلها وهو في منزله بسوريا، وبعد انتهاء الحفل اتصل هاتفياً بعبدالحليم حافظ وبارك نجاح القصيدة، وشكره عبدالحليم حافظ، وقال مجدي العمروسي للشاعر نزار قباني إن الحفل تم تسجيله بالكامل، وإن قصيدته ستطرح في الأسواق للجمهور في جميع الأقطار العربية بأداء عبدالحليم، كما هو، ومن الحفل مباشرة، مع تصفيق الجمهور، بالإضافة إلى قصيدة يا مالكاً قلبي غناها عبدالحليم حافظ، وأغنية عاطفية أخرى. وأصبحت قصيدة رسالة من تحت الماء حديث الناس في مصر والدول العربية، وبسببها نفدت كل دواوين نزار قباني من المكتبات، الأمر الذي أثار انتباه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والفنانة نجاة الصغيرة للبحث عن قصيدة أخرى لنزار قباني لتكون من نصيب نجاة.