(إن سعادتنا تتكون في الواقع من متعة جمالية)- جوج سانتيانا!
(سيلفي 3) كوميديا هادفة.. ومتعة جمالية!
صحيح أنها تذكرنا بالضجة التي تحدثها السعادة، وهي ترحل، وتغادرنا في لحظة سأم وضجر من واقعنا المعيش، ولكن دراما سيلفي تزرع فوق الشفاه ابتسامة أعمق، خجول وذات معنى. إيقاعها الخفي يريح النفس، ويطهرها من أدران أحزان وآلام قديمة جديدة.
قلت في مقال سابق في أحد أعداد المجلة العربية 2016: إن (سيلفي) كوميديا راقية، وفن أصيل، يقاوم بالضحكة المؤذية.. والدمعة الحجرية.. يأتي بالشمس إلى غرف نومنا، وهو يوقظنا على أغاني الصباح.
(سيلفي3) تصحيح لمسار الدراما (الرمضانية) الخليجية والعربية، وليس من مسلسلات (هضم الطعام) حسب تعبير الراحل يوسف السباعي!.
نعم!! فن وضع أبجدياته وأسسه وقواعده، ومفرداته المريحة والمؤذية الواقع المعيش.. ونحن ننتظر حلقات سيلفي بكل نوافذ الجسد المشرعة أبداً، وبكل ما في قلوبنا من نبض، نقبل عليها كمتنفس.. كإجابات صريحة ودقيقة وشافية لكل أسئلتنا الإنسانية والحياتية والحضارية، وقد عجزت قريحة الواقع عن الإجابة عنها.
(سيلفي3) سخرية سوداء قاسية!.. محاكمة عادلة لنا وللوقت، وهما متهمان أزليان من دون محام، وكل ماحولنا من أشياء شهود تاريخيون!.
(سيلفي3) صورة مكبرة مستفزة لواقع، ما يحدث فيه يفوق الخيال، بل هو ما بعد الخيال.. وكلمات (سيلفي) بلا كلمات!.
يقول الكاتب د.أحمد برقاوي في مقاله (الضحك والأيديولوجيا): (كانت الكوميديا ومازالت في مجملها صورة عن المضحك في الحياة، وتنطوي على جانب نقدي خفي أو ظاهر)!.
ولأن السخرية مفردة الكوميديا السوداء البليغة فهي (منتهى الألم وقمته) كما يقول د.خيري دومة، وبهذا تصبح الكوميديا أداة مواجهة لفضح التناقض وكشف كل أساليب النفاق الاجتماعي المستشري، ونحن (ننافق حتى يكره النفاق نفسه) كما يعبر شاعر الحداثة أدونيس، وفضح وتعرية كل العادات السلبية المترسبة في المخيال الاجتماعي، وكشف مواطن الصدأ المحيطة بالكرسي البيروقراطي الحكومي، ومن يجلسون عليه -بقمصان الزهو- يتاجرون بمصائرنا وبمستقبل أطفالنا.
(سيلفي3) كوميديا ناقدة جارحة!.. و(العلاقة بين النقد والضحك هنا، علاقة صميمة لخلق البهجة من جهة، والمعرفة من جهة ثانية، والتحرر من الهزلي في الحياة) بتعبير د. برقاوي أيضاً!.
يرى علماء النفس أن (الكوميديا - الفكاهة - الضحك) إحدى وسائل المجتمعات الحضارية - الإنسانية لمواجهة المشكلات الاجتماعية والحياتية والسياسية والاقتصادية، وفي (سيلفي3) (الفنان- والكاتب) الكوميدي رسام ماهر أيضاً. كل حلقة ممتعة له لوحة، بكل ألوان الطيف والحياة، وكل حركة هادفة متقنة يؤديها بورتريه للواقع المعيش، تقرأ بالعين والقلب معاً، وكل حلقة مهما كان موضوعها الاجتماعي أو الحياتي، هي صورة كاريكاتيرية بليغة خالدة، تقرأ في ظمأ وعشق، هي أكثر صدقاً وعمقاً وبلاغة وتعبيراً من الصورة الحقيقية للواقع.
ليست كوميديا سيلفي لعبة تقلد الواقع أو الحياة، قد يتبادر إلى الأذهان التقليدية ذلك!، بل هي الحياة الخفية الحقيقية الصميمة التي نخشى ظهورها، وكتابها الأجلاء لا يحترفون الشتائم المغرضة، بل هي شتائم ملائكية موقظة، وشاشة سيلفي لا تبدو للعين الثاقبة مضببة أبداً، بل هي في قلب الشمس، وضفائرها باذخة الضوء والعطر.
الكوميديا ملهاة، أداة تطهير النفس حسب نظرية أرسطو. والضحك المعادل الموضوعي objective correltive للحياة. وإذا كانت الكوميديا لدى اليونانيين وعبر فنهم المسرحي ما يبعث السرور والبهجة والغبطة، فإنها لدينا أيضاً ضحكة موجعة، لا تشفي الجرح بل تؤثر الحك عليه، وبهيجة ولكنها مطاردة بمليشيات حزن قاتم، وثمة أمل، ولكنه محاصر بجيوش يأس ثقيل. كل هذا يفصح عنه (سيلفي) من دون أن تتخلى كوميدياه عن هدفها الأمثل، وهو تهذيب الأخلاق بأنواعها المتعددة، وهو يعمل على إظهار القبح، ولكنه لا يضخمه (لأنه يظهر بصورة مشوهة) -كما يرى أرسطو- يراهن (سيلفي) على الجمال، ولكنه لايرى إلا عبر ميكروسكوب الأمل والتفاؤل.
في (سيلفي) ليست الكوميديا فن تسلية، بل وسيلة حضارية، وثمرة ثقافة تعمل على إظهار الخلل المنطقي في الواقع الاجتماعي والسياسي والحياتي. هناك كان وراء البحر شارلي شابلن، وهنا دريد لحام وناصر القصبي وعبدالله السدحان ويوسف العاني وعادل إمام وآخرون، تحت كل نجمة مضيئة بالإبداع الإنساني! والفنان الكوميدي لايتسلى، وليس بهلواناً، بل حامل رسالة شفافة مموسقة الحروف، بليغة الكلمات، سامية الهدف، عظيمة الرؤى، تعيش بعمر المدى والأزل، مهمتها إنتاج الضحك وهو (حاجة مميزة للإنسان) كما يعبر الأديب الفرنسي ربليه Rabgais، وهو مزيج من البهجة والألم، ومن الخوف والأمل!.
في (سيلفي3) الكوميديا والفنان الكوميدي معلمان ماهران!، يجيدان إلقاء درسهما (الاجتماعي - الحياتي - السياسي). درس مفرداته لها قدسية الحياة، وهي تحكي جمال الحرية - الوجود، أو تحفظ لنا ما بقي من أوطاننا في مكان بعيد - قريب من قلوبنا، من دون أن يعبث أو يلوث نسماته مدع أو منافق أو انتهازي أو وصولي أو متطرف!.
و(سيلفي3) وماقبله، وما سيأتي بعده نقلة نوعية في الدراما الخليجية - السعودية والعربية. خروج جريء وشجاع وضروري على السائد والعادي والتقليدي المكرر واللغو التلفزي المقيت.
(سيلفي3) تعويذة سحرية.. كما القصيدة المتمردة.. كما اللوحة التشكيلية الباهرة.. كقطعة موسيقى ساحرة.. شكراً - سيلفي!
وتحية بكل لغات القلب المتيم بالجميل والممتع والهادف إلى فريق عمل هذا المسلسل الدرامي المتميز، ابتداءً بهرم الكوميديا الفنان الكبير ناصر القصبي، ونحن نحيي فيه هذا الأداء الجريء والشجاع، وحرصه على تقديم الجديد والمثير والعميق الهادف، وهو -وفريقه- يرتقي بنا، وبالوطن إلى ما هو أجمل وأكثر مسؤولية.. وتحية وإكبار لفريقه المتميز المغرم بالجديد والتفرد الذي عودنا على هذا التفاني والإخلاص، وهو يحرث في تربة أرواحنا الضحكة والدمعة معاً.. السعادة والحزن معاً، ورهانه الملائكي على أمل تظل مزاميره أعمق من بلاغة يأس ثقيل. تحية إلى (حبيب الحبيب، عبدالإله السناني، ريم عبدالله، ريماس منصور، محمد الطويان، خلف الحربي) وممثلين آخرين لهم دورهم الفاعل. والتحية موصولة بدفء القلب لضيوف المسلسل الأجلاء وعلى رأسهم أستاذ الكوميديا الكويتية الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، وطارق الحربي، وعد، يوسف الجراح، وصلاح الملا. وتحية لمن سهر ليله وكتب وهو يصوغ الكلمات المرسلة من القلب مباشرةً (خلف الحربي، وعبدالعزيز المدهش) وآخرين لم تحضرني أسماؤهم -بكل أسف- وهم لايقلون بلاغة وروعة عمن ذكرتهم. تحية وإشادة عالية بالجهد الكبير الذي يقدمه المخرج الكبير أوس الشرقي ومساعدوه. وشكر لصوت الخليج الشجي، وهو يزيدنا بهجة ودفئاً وأملاً الفنان الكبير راشد الماجد. وتحية لأسرة MBC مقرونة بأماني التواصل من أجل المزيد من الإبداع والتألق!.