مجلة شهرية - العدد (591)  | ديسمبر 2025 م- جمادى الثانية 1447 هـ

هل كان.. هدراً ؟!

التحولات المتتالية المتسارعة –أيضاً– تتنفس ثقافياً برئتي عملاق، الأولى رئة ثورة معلوماتية، أما الأخرى فثورة تكنولوجية، تتنفسان ثقافة أصبحت الوسائل الاتصالية فيها وسيلة ووعاء ومؤثراً في نسيجها الثقافي بمختلف مكوناته، الأمر الذي جعل من مرور عدد من التحولات التي أنتجتها هاتان الثورتان تمر دون فهم حقيقي واستيعاب مدرك لعدد من تلك التحولات، مما جعل الكثير من المجتمعات العربية المعاصرة تنتقل من مرحلة إلى أخرى دون فهم تترجمه مسيرتها الثقافية لمرحلة راهنة، أو لأخرى حضارية مقبلة.
هذه التحولات العالمية ألقت بظلالها على الكثير مما يمكن وصفه بالتحدي الذي يراهن على قراءة المرحلة، ويجعل من العمل المؤسسي الثقافي عبر هذا التحدي ترجماناً بارعاً في تحليل مرحلة مضت.. وتفكيك مرحلة راهنة.. واستشراف أخرى قادمة.
بالتأكيد إن هناك أدوات مؤسسية كثيرة لقراءة متغيرات الثقافة وتحولاتها، وإن قلنا ثقافة المتغيرات فكما قيل: لا مشاحة في الاصطلاح.. إلا أن المشاحة الحقيقية في علمية الأدوات وعمليتها، وبخاصة عندما نضع (المؤتمرات) التي تناقش الشؤون الثقافية وتحولاتها المعاصرة تحت مجهر التقييم.. فما كثرة انعقادها محلياً وعربياً وعالمياً إلا لما تمثله هذه الأداة من قيمة علمية وما يعول عليها من مقومات عملية.
وعن واقع المؤتمرات الثقافية في مشهدنا المحلي والعربي، سأستعير -بغية الاختصار- تعريف عالم الاتصال الأمريكي (هارولد لازويل) في أسئلته التعريفية لعناصر العملية الاتصالية التي قال عنها: من؟ يقول ماذا؟ بأي وسيلة؟ لمن؟ وبأي تأثير؟ 
سأضيف متى؟ بحثاً عن اكتمال منظومة هذه الأسئلة التي تستهدف بعناصرها (التأثير) بوصفه الهدف المنشود من المؤتمرات التي وإن وجدنا لديها إجابة على هذه الأسئلة، بصرف النظر عن مدى اقتناع الجماهير بها، إلا أن تلك المؤتمرات حتماً لا تملك الإجابة على تحقق (الأثر / الهدف) إلا من خلال دراسات مسحية لتقييم هذه الأداة لنتعرف على فاعلية ما قدمته؛ لأن واقع الكثير من المؤتمرات الثقافية، حتى على مستوى النخبة المشاركة فيها والمدعوين إليها -سيما إن كانت تستهدف الجماهير بوصفهم وجهة المؤتمرات وغايتها المقصودة-؛ فإن لسان حالها يقول: لقد أصبح حال أكثرها أقرب إلى الهدر الثقافي.. أو كأنها هو!

ذو صلة