بعد يوم ممتلئ بالصخب والضجيج، امتزجت فيه صرخات النسوة بنعيق البوم، غمام يملأ السماء، وشمس أبت أن تشرق ذلك الصباح.
عادوا إلى منازلهم، ارتموا على أسرتهم ناسين أن يبدلوا ثيابهم ويعقموا بيوتهم، كما اعتادوا كل يوم منذ انتشار الوباء، ظلت النسوة جالسة كل منهن في مدخل بيتها متشحة بالسواد.
بدأت القصة بعربة تكريم الموتى التي دخلت القرية في الصباح تحمل جثتها. توقفت العربة عند مدافن أسرتها التي لم يتبق منها أحد داخل القرية. نزلت من السيارة فتاة في الثلاثينات من عمرها، تسأل حارس المقابر عن مدافن العائلة.
فزع الحارس، ونادى طفلاً صغيراً، وشوش في أذنه، فانصرف الطفل مسرعاً، وبعد لحظات بدأ يتوافد رجال القرية يحمل بعضهم فؤوساً وبعضهم عصياً ضخمة.
سأل كبيرهم الفتاة:
- ماذا تريدين من المقابر؟
أجابت أنها ترغب بدفن والدتها طبقاً لوصيتها الأخيرة في قريتها.
كان الكفن مغلفاً بكيس بلاستيكي أزرق، فارتعب الحارس، وصرخ مشيراً إلى الكيس.
ابتسم أحدهم ابتسامة سخرية، وأشار إلى الجثة قائلاً:
- هذه المرأة خرجت من القرية ملعونة، وتريد أن تعود محملة بالوباء!
لن نسمح بدفنها في قريتنا. لم تصبح منا منذ أن تمردت على تقاليدنا وأصرت على تكملة تعليمها، وكتابة الكتب المحرمة التي تحرض نساءنا على الفساد والرذيلة، والخروج عما عهدناه من آبائنا.
ومثل الببغاء، ردد خلفه رجالات القرية، وقرروا ألا تدفن المرأة في مقابرهم.
أشاروا للفتاة أن تعود بها من حيث أتت، مشهرين فؤوسهم وعصيهم في وجهها.
في الوقت الذي خرج فيه الرجال كقطيع من الخراف، سائرين خلف صوت ينادي.. احتجوا.. ارفضوا..
كانت النسوة يتوحدن على أن لا كلمة لرجل عليهن بعد هذه الليلة.
وأعلن أنهن بريئات من ذنب تلك الطبيبة التي رفضوا مواراة جسدها التراب خوفاً من وباء لا يدركون أنه يستوطن عقولهم.
عاد الرجال ولم يتمالكوا أنفسهم، ارتموا على أسرتهم، وما أن غاصوا في نوم عميق، حتى أطلقت النسوة أصواتهن بالنحيب والعويل، مقلقات نومهم.
واستمر الحال على ذلك كل ليلة، ما أن يخلد الرجال للنوم حتى تولول نسوة القرية وينتحبن، فيستيقظ الأزواج فزعين.
فقرر الرجال وأد كل نسوة القرية حتى يتمكنوا من النوم مطمئنين هانئين.
لكنهم كلما أووا إلى فراشهم، أقلقهم النحيب كل ليلة في نفس الموعد، فينتفضون خائفين، مرعوبين، يقتتلون، حتى تلاشى جميعهم، وأصبحت القرية خاوية!