مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

التوقعات العالية.. الضربة القاضية للزواج

كان يحلم في الزواج فيراه رحلة جميلة، يرى فيه العلاقة المتناغمة، والتفاهم المتبادل، والحوار المخملي، والعناق الدائم، والتشجيع المتواصل، فلا خلافات أو نقشات، الرؤية واحدة، ووجهات النظر متحدة، والدعم مشترك بينهما، والاهتمامات متقاربة، كل ليلة هي عرس لهما، وكل شهر هو عسل بينهما، وكل لقاء جلسة عشاق تجمعهما.
يظن أنه سيجد فيه الرومانسية المستمرة، والمشاهد العاطفية التي لا تنقطع، والكلمات الجميلة المتبادلة، تراه فارساً أتى بحصانه الأبيض يطير بها في عالم من الحب والود ليس فيه مشكلات ولا أزمات، وهو يراها الزوجة الحنون المؤدبة الحبيبة البسيطة التي لا يسمع منها إلا همساً، ولا ترد له طلباً، ولا ترفض له أمراً، فهو الملك المتوج في مملكته المتلألئة.
يرى في الزواج تعانق القلوب قبل تعانق الأجسام، يحسب فيه الأفئدة متناغمة تسير معاً على طريق سريع، من غير تقاطع، ولا حوادث، ولا نقاط تفتيش، ولا تضييق من رجال المرور، ولا سحب للرخص. صفاء دائم، لا كدر فيه، وتفاهم دائب لا خلاف معه، وحوار زاهر لا جدال به، وورد نضر لا شوك معه.
وبعد الزواج يجد النقاش المستمر، والرؤى المتباينة، والخلاف المتكرر، والخصام الذي يطرق البيت أحياناً، والصوت المرتفع الذي يطرق المنزل كثيراً، والاهتمامات المتعارضة، والعاطفة الجامحة، فتارة صراخاً، وتارة غضباً وتارة بكاء، وتارة إعراضاً وصدوداً.
من أخبرك أن الزواج سيكون بهذه المثالية العالية وبهذه الرومانسية الرفيعة التي لا تكون إلا في الأفلام والمسلسلات، من رسم لك هذه الصورة الوردية التي يبدو فيها الزواج أنه من أساطير الأولين، اكتتبها بعض المؤلفين، فهي تُملى على الناس في التلفاز والروايات بكرة وأصيلاً.
فالمزاج يتغير، والظروف تتبدل، والمؤثرات تتعدد، فحالة المرء ومواقفه وتصرفاته تختلف في وقت الغضب عن وقت الفرح، وتتباين في وقت الحزن عن وقت القلق، فلذلك تتغير ردود الأفعال والمواقف.
لا ينبغي للزوجين أن يحزنا إذا وجدا خلافاً، أو تعثّرا يوماً، فحدث بينهما خصام، أو تهاجر لليلة أو ليال، أو اشتد بينهما النقاش فتنافر قلباهما حيناً من الوقت، فالقلوب لا تتآلف إلا بعد طول صحبة، والنفوس لا تتقارب إلا بعد سنوات من حسن عشرة، والتفاهم لا يُنال إلا بعد شوط طويل من الصبر الجميل.
إن كان في الزواج الحب فمعه الخلاف، وإن كان فيه الصفو فمعه الكدر، وإن كان فيه الود فمعه الخصام، تلك هي الطبيعة البشرية لحياة رجل مع امرأة تحت سقف واحد، فالرجل يختلف عن المرأة في عقله وقلبه ونظره واهتماماته، فلا بد أن يكون لهذا الخلاف آثاره في الحياة.
دع عنك التكلف القصير الذي كان في أيام الخطوبة، وهذه الصورة الوردية لكل من الزوجين، تلك أمة قد خلت، لا تقاس عليها أيام الزواج التي تكشف عن الطبائع الحقيقية للزوجين، وتظهر السمات العميقة للطرفين.
نعم هناك الكثير من الأساليب التي تقرب بين الزوجين، وتغرس الحب بينهما من الحوار الجميل والكلمة الطيبة والصبر على الهفوات والاهتمام بالطرف الآخر والنظر للمحاسن، والإشباع العاطفي المتبادل، لكن كل هذا لن يجعل الاهتمامات واحدة، ولا وجهات النظر متفقة ولا الخصام غائباً، ولا التفاهم دائماً، فلن يصل لهذا السحاب الذي حلما بالصعود إليه.
على الزوجين أن يجاهدا نفسيهما سنوات، ويصبرا لشهور وأيام، على العطاء المتبادل، والاهتمام الدائم، والإشباع العاطفي، والحوار الناجح، حتى تتقارب القلوب، ويغرسا التفاهم بينهما، ويذوقا السعادة الزوجية.
لكن مهما بذلا من الجهود، وقدما من الأوقات، وتعلما من الأساليب المتباينة، ونالا من الدورات، وطالعا من الكتب والمقالات حول السعادة الزوجية وطرائقها، لن يصلا للحياة الوردية التي تتصورها توقعاتهما المبالغة فيها ورسمها خيالهما عن الزواج.
لا ينبغي أن تكون الواقعية حجة لنا لنبقي على بذاءتنا وقسوتنا وإهمالنا وتغافلنا عن إشباع حاجات الطرف الآخر، فالخيال شيء والقصور الذاتي شيء آخر ليس بينهما تشابه.
ليعلم كل من الزوجين أن الفرح بجوار الحزن، والتعب يصحب الراحة، والغضب مع الهدوء، والأزمات يطرق بابها الحلول، تلك هي الحياة الزوجية، وليست ما ترسمه الأفلام وتظهره المسلسلات وتحكيه الروايات.
خلاصة مقالتي: إن الاعتدال هو الميزان، فنحن لا نطالب المثالية العالية، ولكن نطالب بالمتاح، وأعدكم أنه مع العطاء المتبادل، والحوار المخملي، والصبر الجميل، والإنصات لصوت الحب؛ سيكون الخلاف قصيراً، والهجر ضئيلاً، والكدر نادراً، والخصام قليلاً، وسيكون الاتفاق كثيراً، والتناغم كبيرا، والود واسعاً، والعُش مبهجاً وسعيداً.

ذو صلة