ليليا حسين: الجزائر وفرنسا مثل الأخوين التوأم في روايتي
حوار/ منير عتيبة: مصر
لم تعد الهوية أمراً ثابتاً ولا شكلاً واحداً مرتبطاً أساساً بالمكان/ الوطن، فالعالم الآن تتقاطع فيه الهويات وتتداخل الأوطان ما بين وطن الجذور ووطن الميلاد ووطن المعايشة، لذلك يحمل الإنسان المعاصر تجارب إنسانية مركبة شديدة التعقيد، ويرغب في التعبير عنها وفهمها. وتعد الكاتبة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية ليليا حسين إحدى المبدعات اللاتي تحملن عبء هذه التجربة غير البسيطة، تعبر عنها من خلال البحث في التاريخ الشخصي والعائلي للمعاناة.
وقد حصلت روايتها المترجمة مؤخراً إلى اللغة العربية بعنوان (جريمة في حي الزجاج) على جائزة مدينة (كان) الأدبية لعام 2023. ترجمت الرواية كريستينا سمير فكري، وكان الأستاذ شريف بكر صاحب دار العربي للنشر التي نشرت الرواية هو همزة الوصل بيني وبين الكاتبة التي تحدثت ببساطة عن تجربتها الإبداعية ورؤيتها للكتابة الروائية وعلاقتها بالثقافتين العربية والفرنسية، وموضوعات أخرى حول هذه الرواية التي تناولت تجربتي الهجرة والهوية بعذوبة وعمق موجع.
كيف بدأت رحلتك الأدبية والصحفية؟ وما هي الأحداث أو الأشخاص الذين أثروا في مسيرتك؟
- بدأت الكتابة بفضل والدتي التي كانت تربطها علاقة عاطفية للغاية بالأدب. كانت تأخذني إلى المكتبة كل يوم أربعاء عندما كنت طفلة، وكانت الكتب جزءاً من الرابطة التي كانت تربطني بها، وهي رابطة مألوفة، وبالتالي، أمومية، وحماية. لا تزال الكتب هي المكان الذي أشعر فيه وكأنني في بيتي حتى يومنا هذا.
ما هو الدافع وراء كتابة روايتك (مرارة الهجرة) التي ترجمت إلى اللغة العربية بعنوان (جريمة في حي الزجاج)؟ ولماذا اخترت التركيز على موضوع الهوية؟
- الرواية مستوحاة من قصة حقيقية سمعتها في عائلتي. قصة امرأة جزائرية تصل إلى فرنسا للانضمام إلى زوجها، العامل المهاجر. تصبح هذه المرأة حاملاً ولكن الظروف صعبة للغاية للحفاظ على الطفل. شقيق زوجها، صهرها، متزوج من امرأة فرنسية - هي - لا تستطيع إنجاب أطفال. ويتفق الزوجان بالتالي على أن الطفل الذي لم يولد بعد سيتم التبرع به بعد الولادة. لكن في ذلك اليوم، أنجبت المرأة الجزائرية توأماً: احتفظت بأحدهما وأعطت الابن الآخر لأخت زوجها. سوف يكبرون مع هذا السر العائلي. هذه القصة حقيقية، ولكن وراء كل ذلك، ما أثار اهتمامي حقاً هو قطعة التاريخ الفرنسي التي تتشكل في الخلفية: تاريخ المجمعات السكنية التابعة للمجلس، وهي يوتوبيا للعيش المشترك في الستينات والسبعينات، والتي تحولت تدريجياً إلى أحياء فقيرة، وأماكن متدهورة حيث لم يبق فيها إلا الطبقات الأفقر.
ما هي التحديات التي تواجه الجزائريين في فرنسا فيما يتعلق بموضوع الهوية؟ وهل تعتقدين أن هذه المشاكل مازالت مستمرة حتى اليوم؟
- كما أكتب في روايتي، فإن الجزائر وفرنسا بالنسبة لي - مثل الأخوين التوأم في روايتي - شقيقتان منفصلتان: يجدان صعوبة في العيش دون بعضهما البعض، ومع ذلك فإن علاقاتهما متضاربة. ولم يتم محو ذكرى الاستعمار بشكل كامل، في المدارس الفرنسية، نتحدث قليلاً جداً عن الجزائر، نحن نناضل من أجل الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت على هذه الأرض، والمعاناة، وعواقب هذه الحرب الأخيرة على السكان حتى يومنا هذا. ومن ناحية أخرى، في الجزائر، يتم استغلال هذه الذاكرة في كثير من الأحيان لتجنب الحديث عن القضايا الحقيقية ولتحويل غضب السكان. كل هذا لا يسمح لنا بالمضي قدماً، وعندما أرى أن فرنسا تلعب منذ عدة أشهر أيضاً على التوترات مع الجزائر، وأنها تفعل ذلك لتشجيع التراجع القومي، أقول لنفسي إن القادة في نهاية المطاف، على الجانبين، يتصرفون بنفس الطريقة.
ما هي أهم الرسائل التي أردتِ إيصالها من خلال (مرارة الهجرة)؟ وكيف تأملين أن يتفاعل القراء مع هذه الرسائل؟
- أردت أن أظهر أن ما نخفيه، ما ندفنه، الأشياء غير المعلنة، أسرار العائلة، ينتهي بها الأمر دائماً إلى الظهور والحصول على أجر مقابل ذلك بطريقة أو بأخرى، في بعض الأحيان في وقت لاحق، من خلال الأجيال الأصغر سناً، الذين يحملون دون وعي الألم وعيوب كبار السن.
لماذا قررت بدء أحداث الرواية منذ الستينات وحتى التسعينات؟ وما الذي جعل هذه الفترة محورية بالنسبة لك؟
- لقد أتاحت لي هذه الفترة إظهار التحول: كيف ننتقل من العصر الذهبي إلى الكابوس؟ كيف ننتقل من فترة التوظيف الكامل حيث نبحث عن المهاجرين لبناء طرقنا، إلى فترة البطالة حيث نريد طرد المهاجرين وأطفالهم؟ كيف تدهور التخطيط الحضري تدريجياً، وكيف تؤثر هذه التغيرات على مصير الأطفال الذين يعيشون هناك؟
كيف قمت بتطوير تقنيات الكتابة في (مرارة الهجرة)؟ وهل كان هناك أسلوب معين أردت استخدامه لإيصال رسالتك؟
- أختار البساطة دائماً. وُلِد هذا النص من عاطفة قوية، انتقلت إليّ بلا شك من والديّ اللذين عاشا تلك السنوات. هذا الشعور هو الذي قادني.
هل تشعرين أنك تجمعين بين الثقافتين العربية والفرنسية؟ وكيف أثر ذلك على كتاباتك وشخصيتك؟
- عندما بدأت كتابة هذا الكتاب، كنت مقتنعة بأنني أحكي قصة عائلية. لقد ولدت في فرنسا، ووالداي أيضاً، وكنت أعتقد أن علاقتي بالجزائر بعيدة، خالية من الحنين. وأخيراً، انتهيت من قراءة كتابي والدموع في عيني عند التفكير في هذه الأرض التي أعرف عنها القليل ولكنها موجودة في داخلي، سواء أحببت ذلك أم لا. الروايات تحكي لنا عن أنفسنا. نحن نؤثر عليها أقل مما تتأثر بنا.
ما هو دور الجوائز الأدبية في حياتك المهنية؟ وهل تعتقدين أنها تؤثر على مسار الكاتب وتوجهاته؟
- الجوائز الأدبية تشجعني دائماً. من المعجزات أن تكتب وتقرأ في عالم يقرأ فيه الناس عدداً أقل وأقل من الروايات. أرحب بهذا التقدير باعتباره امتيازاً هائلاً ومسؤولية: وهي أن أكون دائماً صادقة في نهجي الأدبي.
كيف كان شعورك عندما ترجمت روايتك (مرارة) إلى اللغة العربية؟ وهل تعتقدين أن الترجمة أضافت بُعداً جديداً للعمل؟
- لقد كنت سعيدة جداً عندما سمعت عن هذه الترجمة. خصوصاً في السياق الجيوسياسي الحالي. تساعد الروايات على بناء الجسور بين الثقافات، وبين الشعوب، لفهم أننا في نهاية المطاف متشابهون، لأن لدينا أساساً مشتركاً. يحكي كتابي عن الشعور الذي نشعر به أحياناً، والذي يشعر به العديد من الأشخاص من أصل عربي، وهو الشعور بالضياع: بين ثقافتين، ولغتين، وبلدين، وعدم معرفة أين نحن في وطننا حقاً. يسعدني أن هذه الرسالة تجاوزت الحدود.