السينما تمتلك لغة التوثيق للتاريخ البشري بالصوت والصورة. والسينما فن جامع للفنون الإنسانية، ومرآة للنفس الإنسانية، بما يجذب الأحاسيس والمشاعر بغية الارتقاء بالنفس فكراً وثقافة؛ لتسمو بتطلعاتها وآمالها لتطوير الحضارة الإنسانية، وإقامة حوار الثقافات بين الشعوب. والسينما فن جميل غني بالتجربة الجمالية بما يولد وينتج من الخبرة. والسينما تمثل الفن السابع، وهو فن له مكونات العمل بالنص والتمثيل والإخراج والتصوير والديكور والسيناريو. من هنا تأتي أهمية السينما في المجتمع لما لها من دور في طرح هموم وقضايا المجتمع، إضافة إلى التثقيف والتربية والتوعية؛ لتكون السينما تسجيلاً لتاريخ مضيء. ورسالة السينما تؤرخ لتاريخ؛ بل ميدان لتمرير الأفكار والتطلعات والمعتقدات.
والسينما السياسية لها تأثير فعال ربما يؤثر على العقول الإنسانية بالمعرفة والمنطق والرؤية، ولذلك السينما عالم واسع للتعبير، وتحاكي الواقع، ولها لغة خيال باستخدام التقنيات الحديثة، ولننظر لما حدث مع محاور القضية الفلسطينية بلغة الفن السينمائي، وهي بكلمة حق لم تأخذ حقها المنشود سينمائياً لبيان خطورة الاحتلال، بعكس الكيان الصهيوني الذي استغل الفن السينمائي لترويج أهدافه غير المشروعة، وما زال هناك تقصير عربي من جانب السينما العربية تجاه القدس المحتلة، وجاء ميلاد السينما العربية، بل والفلسطينية، مع الأخوين إبراهيم وبدر لاما، واتجها عام 1926 نحو فلسطين لإنشاء صناعة سينمائية، ولكن الأوضاع المجتمعية داخل فلسطين لم تحقق الهدف المرجو، وأسس الأخوان لاما شركة (كوندور فيلم)، وكان من أول إنتاجها فيلم (قبلة في الصحراء) وعرض عام 1927، وكان من أول الأفلام التي تناولت الشأن الفلسطيني عام 1946 بعنوان (حلم ليلة) للمخرج صلاح الدين بدر خان، وقام الفلسطيني محمد صالح الكيالي بعمل مجموعة أفلام تسجيلية وثائقية، ثم انطلقت مؤسسات سينمائية فلسطينية بإنتاج فيلم (الطريق) عام 1973، وفيلم (البنادق متحدة) عام 1975، وفيلم (مولود في فلسطين) عام 1975، كما برزت هيئة الإعلام والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية التي أنتجت أول أفلامها عام 1972 بفيلم (معسكرات الشباب) لإسماعيل شموط الفنان التشكيلي، وقدم أيضاً أفلام (ذكريات ونار) عام 1973، و(النداء الملح) عام 1973، و(على طريق فلسطين) عام 1974، وقدم المخرج العراقي قيس الزبيدي عدة أفلام لهيئة الإعلام والثقافة الفلسطينية، منها: (صوت من القدس) عام 1977، و(حصاد مضاد) عام 1978، و(وطن الأسلاك الشائكة) عام 1980، و(ومواجهة) عام 1983، و(فلسطين سجل شعب) عام 1984، و(ملف مجزرة) عام 1984. وأخرجت المخرجة مونيكا ماورر سلسلة أفلام، منها: (أطفال فلسطين) عام 1978، و(الهلال الأحمر) عام 1979، و(الحرب الخامسة) عام 1980، و(ولدت من الموت) عام 1981، و(م. ت.ف. دولة بلا أرض) عام 1981، و(فلسطين في اللهب، فلسطين تحترق) عام 1988. وقدم المخرج محمد ملص السوري فيلم (أحلام المدينة) عام 1983، (والليل) عام 1992. كما قدم المخرج جورج خليفي فيلم أطفال الحجارة عام 1988، وقدم المخرج إياد داود فيلم (القدس وعد السماء) عام 1997، و(دير ياسين الوجع) عام 1999، و(مآذن في وجه الدمار) عام 1999، و(العودة) عام 2001، و(جنين) عام 2002. ومن الأفلام التي تناولت القدس فيلم (الناصر صلاح الدين) عام 1974. وجاءت القدس في السينما الصهيونية لإنتاج أفلام درامية ليهود فلسطين، وكان هدف الحركة الصهيونية قبل إنشاء إسرائيل إثبات أن لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين خصوصاً القدس باعتبارها العاصمة الأبدية، ودعوة يهود العالم للهجرة لأرض فلسطين، وهنا تم استغلال الأفلام التسجيلية والوثائقية القصيرة التي تمثل دعاية صهيونية، واليهود يسيطرون على السينما الهوليودية ومن خلالها تم رصد الفلسطيني في ثلاثة أفلام هوليودية، وهي: (ميونيخ) نظراً للعملية الفدائية ضد الفريق الإسرائيلي الأوليمبي المشارك في دورة ميونيخ رغم عدم قتل أي إسرائيلي وقتئذ، و(لا تعبث مع زوهان) وهدف لازدراء العرب واحتقار الفلسطينيين والسخرية منهم، و(كارلوس) وكلها أفلام تحمل أهدافاً عدوانية للقضية الفلسطينية. وقدمت السينما المصرية أعمالاً سينمائية منها فيلم (فتاة من فلسطين) عام 1948، ويحكي قصة فتاة فلسطينية هاجرت من بلادها بعد اغتيال والدها على يد عصابة صهيونية، وفيلم (أرض الأبطال) عام 1953 إخراج نيازي مصطفى، وكان يدور حول حرب العام 1948، و فيلم (ناجي العلي) عام 1987 إخراج عاطف الطيب، واستعرض قصة استشهاد الفنان الفلسطيني ناجي العلي في لندن. وجاء فيلم (صعيدي في الجامعة الأمريكية) لتوعية الشباب بأهمية القضية الفلسطينية.