مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

أحمد فؤاد باشا: التفكير العلمي يجعلك صارماً ومحدد الملامح

حوار/ صلاح البيلي: مصر


اختار معهد المخطوطات العربية، التابع للمنظمة العربية للثقافة والعلوم، العالم المصري د. أحمد فؤاد باشا شخصية العام للبحث التراثي في الوطن العربي لجهوده العلمية على مدى أكثر من نصف قرن، ود. باشا البالغ من العمر 83 سنة، له ما يزيد على 120 كتاباً، فضلاً عن مساهماته في تبسيط العلوم، وشرح جوانب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
وإلى تفاصيل الحوار:
مبروك اختياركم شخصية العام العربية للبحث التراثي، فكيف جاء اختياركم؟
- فوجئت بخطاب من مدير معهد المخطوطات العربية، باختياري شخصية العام للبحث التراثي، تقديراً لعملي في هذا المجال لأكثر من نصف قرن، ولمؤلفاتي الكثيرة التي أثرت المكتبة العربية، وكان لدي إحساس خاص بأننا نكتب ولا يقرأنا أحد، ونقول ولا يسمعنا أحد، فاكتشفت أن جهدي مقدر، وعملي منظور، وهذا أسعدني لأن العمل التراثي في بلادنا العربية غير مقدر نفس التقدير في البلاد الأوروبية وفي أمريكا.
إننا أصحاب تراث ضخم، ويكفي أن نقول ما هو معلوم بالضرورة، من أن الحضارة العربية الإسلامية أول حضارة في التاريخ كله تحقق انتشاراً ودواماً لم تحققه أي حضارة أخرى، وقد ظلت اللغة العربية لغة العلم لخمسة قرون في العالم كله، وقد انتشرت العربية مع انتشار القرآن والإسلام الحنيف الذي شغل جل الجزء المعمور من الأرض آنذاك، وظلت الحضارة العربية والإسلامية تعطي للعالم حضارة ومدنية وتقدماً لأول مرة، ولذلك كان عصر التنوير لأول مرة أرومته عربية إسلامية.
كيف أصبحت عميداً لعلوم القاهرة، وجلست على مقعد د. مشرفة؟
- تخصصي الأساسي علم الفيزياء، ووفقني الله تعالى لأن أصبحت عميداً لكلية العلوم في جامعة القاهرة، ونائباً لرئيس الجامعة، وحاولت جهدي السير على خطى د. علي مشرفة، الذي التقط كتاب (الجبر والمقابلة) للخوارزمي من مكتبة لندن، أثناء دراسته هناك، وحققه ونشره سنة 1937م، ومن يومها لم يسمع أحد بهذا الكتاب المهم، ولم يطلع عليه أحد، فأشرت على أحد تلاميذي بالتسجيل لنيل درجة الماجستير في هذا الكتاب، لأن د. مشرفة حقق ونشر الجزء الخاص بالمعادلات والجبر من كتاب الخوارزمي، وفي الكتاب جزء آخر خاص بالمواريث، وهو ما ركزنا عليه ليصبح التأليف العلمي في خدمة المجتمع، وهو ما تتباهى به الجامعات اليوم.
كم مؤلفاً لكم خلال مسيرتكم العلمية؟
- مؤلفاتي، تزيد على مئة وعشرين كتاباً.
ما هي الرسالة التي ركزت عليها عمرك كله؟
- تجديد الفكر، وأعتقد أن الفكر لا يتجزأ، والتفكير العلمي يجعلك صارماً ومحدد الملامح، وكان صديقنا د. زكي نجيب محمود يمجد في الحضارة الغربية طوال عمره، وقد عاش في أوروبا لسنوات، ثم وجد نفسه كما قال واعترف: (وجدت نفسي مثل السائح الذي يأخذ من كل بستان زهرة، فإذا بي أجد بغيتي في التراث)، وألف كتابه (تجديد الفكر الديني)، وندم على ما ضاع من عمره بعيداً عن تراثه العلمي والحضاري، وطالب بأن تكون لنا فلسفة علمية عربية خاصة بنا، وقال: (نحن نكتب في التراث والفلسفة بلغة عربية، ولكن ليس لنا فلسفة عربية)، وهذا هو المهم.
وما الذي يمنع من أن تكون لنا فلسفة عربية تعبر عن ذاتنا الحضارية؟
- لابد أن نأخذ من حضارة الغرب ونطوعها لخدمة أمتنا، وأن نكون مثل نحل العسل، نحط على كل الأزهار لأخذ الرحيق، ثم ننتجه عسلاً خاصاً بنا، وأن نصنع نهضتنا الحضارية، وأنا أومن أن الإسلام دين حضاري، وخالقنا الأعظم هو من وضع لنا قوانين العمل والتقدم، ومنحنا الملكات والإدراك، من عقل وحس وحدس وحواس، وأمرنا بالبحث في الكون والخلق وإعمال عقولنا. قال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)، كل هذا مع الاحتكام للعقل والمنهج السليم، فالقدماء عاشوا عصرهم، ومن واجبنا أن نعيش عصرنا، وأن نجدد الفكر الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، فأنا أدعو لذلك النموذج الحضاري الإسلامي مع التركيز على العلم لأنه قاطرة التقدم، وأن نأخذ بالمنهج العلمي في حل جميع مشاكلنا، وألا نضيع وقتنا في الفتاوى الشاذة، فتصويب طريقة التفكير واجب ديني وقومي، لتصبح علمية، ودينية، ملتزمة بالقرآن والسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن مذهبياً ولا متعسفاً ولا منغلقاً، بل ترك لنا القرآن والبيان النبوي، مع التفرقة بين المقدس وغير المقدس، فلا نتجرأ على المقدسات مثل الذات الإلهية، ولا نفتي بفتاوى شاذة، بل لابد من ضوابط علمية حتى لا تحدث بلبلة لعقول الناس.
قلت إن العلم قاطرة التنمية، فكيف نأخذ بذلك المبدأ؟
- أن نخضع كل شيء للتفسير العلمي، وهو غير التفسير بالرأي، فالأخير يخضع للهوى والغرض، والعقل له حدود، ولكن التفسير العلمي يقوم على الحقائق، ووظيفتنا في الحياة أن نكتشف الحقائق، والله تعالى قال في القرآن الحكيم: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، وكلمة (سنريهم) تعني الاستمرار في المستقبل ومع كل جيل، وأعطانا الله عز وجل إشارات في القرآن على تلك الآيات، فقد وردت الآيات في آيات معينة من القرآن وليس بكل الآيات، وإلا تحول القرآن إلى كتاب علمي، ومن يفعل ذلك ويجنح يطيح بجهودنا جميعاً، لأنه ليس مطلوباً تفسير القرآن بالعلم، فطريقة الإصلاح واجب ديني ووطني طالما أن النفس لا تحيد ولا تخضع للأهواء ولا تزيغ، المهم أن نؤدي عملنا بإتقان.
وضعت أكثر من 120 كتاباً، فأيها أقرب إليك؟
- درة أعمالي كتاب: (كلمات ربي وتجلياتها في الآفاق وفي الأنفس)، وأطمع أن ألقى به وجه ربي.

ذو صلة