مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

تلك الشمطاء!

وكأنما تلك المسافة المتباعدة بين عينيها هي السر خلف كرهها الشديد لجميع ملامح التقارب والمودة من حولها! فتجدها تسعى جاهدة دون توقف ودون نجاح للتفريق والتخريب بأسلحتها الواهنة المتمثلة بكل ذكر خانع أمام كلماتها المبتزّة، فتحركه كيفما شاءت، وترميه بعيداً حينما تشاء!
‏تحوم في الأرجاء كالوباء، حاملة بيديها رداء العفّة والنزاهة ليلازمها كاللقب، دون أن تتعنى ارتداءه ولو لمرة واحدة لتكف حينها وتمتنع عن كل قباحة تستسيغها! وصوتها الأنثوي يصدح متشبثاً بظلال أنوثتها المتبقية، نابضاً بالشباب العالق خلف جلدها الثمانيني والذي يكبرها بالعمر كثيراً عاكساً حقيقتها من الداخل بدلاً من عمرها الفعلي!
أما جشعها الدائم للظهور والمظاهر، فقد كان يدفعها لمحاولة دفن كل معالم الجمال الحيّة، ظناً منها أنها بذلك ستحمي روحها البشعة فلا تنكشف ولا تتلاشى كدخان سمّها الذي تنفخه على العابرين بجوارها!
شرّها العارم المتفوق كثيراً على درجات ذكائها، يوهمها دائماً بأن الطعام سينضب فجأة، وأن لقمتها قد تُسرق منها!
وكأنما هنالك من سيشتهي تلك اللقمة التي بين أسنانها الصفراء في فمها المُعَبّق برائحة التبغ! فتجدها تنظر لكل أنثى عابرة بعين الفجر وأنها مجرد قنبلة موقوتة! ولذلك عليها أن تستعين بحسدها وحقدها للتشويه والكذب، لعلها تتخلص منها قبل أن تنفجر! وتحارب الرجل بشراسة الحمقاء لتثبت بأنها ندّ له وإن لم يكن يراها حتى!
كراهيتها المنبثقة على الآخرين ليست سوى آثار تلك الأغبرة على كفّيها جرّاء مسحها لأحذية من سبقوها، موهمة نفسها الضعيفة أمام كرامتها الضحلة بوصولها لخطواتهم سريعاً بدلاً من السير طويلاً بحذائها الصغير!
أسند ظهره على الكرسي باسترخاء وأخذ يحرك قدميه كمن أنهى طعامه لا حديثه!
لينطق صديقه أخيراً باندهاش ضاحكاً:
- لو كنت أعلم بعداوتك العظيمة هذه، لجئتك منذ زمن بهذه الورقة لتوقيعها!!
مد يده وأخذ الورقة منه، ليجيبه ساخراً:
- لا أبداً! هي لم ترتقِ لمستوى العدو بالنسبة لي، هي هذه الخربشة العابرة بحبر قلمي!

ذو صلة