تشكل الشبكة الدولية للمعلومات وعاءً عملاقاً للثقافة، ويستفيد منها ملايين المستخدمين عن طريق تناقل المعلومات والملفات والصور ولقطات الفيديو والأفلام بسرعة وسهولة. ولا تزال الدعوة إلى التفاعل مع الواقع الثقافي الجديد أخذًا وعطاءً دون تباطؤ؛ أهم سمات المرحلة الحالية في الوطن العربي، خصوصاً في نشر التراث والهوية العربية.
وشبكة الإنترنت من أبرز المستحدثات التكنولوجية التي فرضت نفسها على المستوى العالمي خلال السنوات القليلة الماضية حتى أصبحت أسلوبًا للتعامل اليومي ونمطًا للتبادل المعرفي بين شعوب العالم. وخلال سنوات معدودة قادمة سيشهد العالم كله تحولات جذرية، وتغيرات متسارعة تفوق في تأثيرها وأهميتها ما حدث في السنوات العشر الماضية. كما أن الانتشار السريع لهذه الشبكة جعلها من أهم معالم العصر الحديث، حتى إن البعض أطلق عليه عصر الإنترنت أو عصر ثورة المعلومات؛ لما أحدثته هذه الشبكة من آثار عميقة وتغيرات جذرية في أساليب وأشكال التواصل في شتى نواحي الحياة.
وفي الوقت الحالي تشتد الحاجة إلى طرق وأساليب جديدة تعمق الإحساس بجمال فن الخط العربي، وتجذب أنظار الشباب العربي والأجيال الجديدة إلى معرفته وتعلم مزاياه من منظور عصري، يراعي سرعة الحياة من حولنا، ويواكب ثقافة الشباب. لذا كان من الواجب إدخال تقنيات حديثة تتماشى مع مهاراتهم وميولهم إلى موهبة الخط العربي، لإنتاج كائن جديد يتلاءم مع ظروفنا المعيشية وواقعنا الحالي، لئلا يذهب أبناؤنا بعيدًا عن الخطوط العربية الجميلة، ولكي لا تصبح الخطوط العربية بعيدة عن اهتمامات الجيل الجديد.
إن جزءاً كبيرًا من النظرة الخاطئة للغرب ناحية الإسلام، هو شعور الغرب أن الإسلام لا يمثل ثقافة بصرية وفنيّة مميّزة، في واقع لا تلعب المؤسسات المضطلعة بنشر الفنون العربية دورًا يُرصد لتحويل وجهة النظر الغربية ناحية الفنون الإسلامية داخل الواقع الثقافي الجديد الذي يمثله الإنترنت حاليًّا، خصوصًا وإن العقل الأوروبي الذي لا يعرف العربية يعشق فنون الخط العربي المختلفة، وهذه ميزة للغة العربية، والبعض يعتبره سرًا اختص به الخط العربي، والأمر الذي يُؤسف له أن كثيرًا من المؤسسات الثقافية الحكومية لا تكترث بغياب هذا الإرث الحضاري عن الشبكة الدولية للمعلومات، وهي المعنية بصياغة تراث أُمّة بأكملها، وإن أيَّ تهميش وضياع لهذا الإرث والفن من المحتوى الثقافي الجديد سينعكس مباشرة إلى جوهر هذا التراث مستقبلاً.
وتهدف هذه المقالة إلى طرح مجموعة من الأسئلة التالية ومحاولة الإجابة عنها.
أولاً: ما هو واقع التفاعل بين الإنترنت والخط العربي كواحد من الصور الفنية للتراث العربي والإسلامي؟
ثانيًا: هل استفاد فن الخط العربي من الواقع التقني الحالي؟
ثالثًا: هل استطاع الخط العربي أن يحجز له مكانًا بارزًا في الاستخدامات المختلفة للإنترنت في المستقبل؟ - خصوصًا أن العديد من الدراسات أثبتت أن أكثر استخدامات الإنترنت شيوعًا في المستقبل هي للأغراض التعليمية، يليها الترفيه والتسلية، ثم الأغراض الثقافية، وأخيرًا الشرائية.
أما بالنسبة للسؤال الأول عن واقع التفاعل بين الإنترنت والخط العربي حاليًا، وهل تمت الاستفادة المثلى من الإنترنت في الخط العربي؟ ففي حقيقة الأمر هناك نقطتان يمكن رصدهما في الوقت الحالي:
أولاً: تعامل كثير من الأفراد والعائلات مع الإنترنت، والعمل على إنشاء مجموعة من المواقع لبعض كبار الخطاطين من المصريين والأجانب، فهناك بالفعل العديد من مواقع كبار الفنانين المصريين وغير المصريين على الإنترنت، مثل موقع عميد الخط العربي سيد إبراهيم، وموقع الفنان خضير البورسعيدي رئيس الجمعية المصرية للخط العربي، وموقع الإخوة أوزجاي، وموقع الفنان السوري منير الشعراني.. وغيرها الكثير من مواقع الفنانين. وإلى جانب المواقع الفردية هنالك موقع قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة المصرية الذي أدرج به العديد من السير الذاتية للفنانين المتعاملين مع القطاع من خلال المعارض والورش، مع عرض أعمال هؤلاء الفانين. لكن يؤخذ عليه عدم التجديد سواء في السير الذاتية للفنانين أو الأعمال الفنية الخاصة بهم، إلى جانب عدم وجود لوحات فنية لبعض الأسماء أصلاً.
ثانيًا: مواقع المنتديات التي تتعلق بفن الخط العربي، وهي تشتمل على العديد من المقالات التحليلية لبعض رواد ومشتركي تلك الصفحات، كما أنها تتيح التواصل بين المحبين والمشتغلين بهذا الفن داخل الوطن العربي وخارجه، وتقوم فكرتها على المناقشات الحرة بين الفنانين والمهتمين بهذا الفن. وتؤدي المنتديات المتعلقة بالخط العربي دورًا مهما وكبيرًا في خلق مجتمع المعرفة في الخط العربي في الفترة الحالية، بل أصبحت هذه المنتديات أحيانًا هي الكيان المدافع عن الخط العربي في كثير من القضايا المتعلقة به، وتلعب دورًا مهما في التأثير على الرأي العام لمجتمع الخطاطين، وبالتالي فإن دورها مؤثر وفعال في مجال الخط العربي.
كما تقدم المنتديات مجموعة من الخدمات والتسهيلات التي من الممكن الاستفادة منها سواءً على الصعيد الشخصي أو على الصعيد التجاري. فعلى الصعيد الشخصي من الممكن الاستفادة من هذه الخدمة في سبيل توطيد العلاقة بين الأصدقاء وفي مجال تبادل الخبرات والنصائح بين الأعضاء. فعلى سبيل المثال من الممكن أن يضع المشارك سؤالاً أو استفسارًا يطلب فيه الإجابة من الأشخاص ذوي الخبرات ولمن سبق لهم أن مروا بتجربة مشابهة لتجربة السائل وكيف كانت انطباعاتهم حينها. ويساعد في هذا المجال إمكانية وضع روابط لصفحات الويب التي من الممكن أن تحتوي على معلومات لها صلة بذلك الاستفسار المطروح. ويعمل الموقع أيضاً كدليل لحفظ قائمة الأصدقاء وأخبارهم السابقة. ومن الممكن أيضاً التعرف على أصدقاء جدد يتشاركون الاهتمام نفسه بهدف معرفة آخر المستجدات في مجال الخط العربي. ومن الاستخدامات الشائعة أيضًا لهذه الخدمة عرض الإنجازات الفنية، والرؤى الشخصية.
وفي مجتمع المعلومات تشكل المعلومة المادة الخام الأساسية، إذ أن استثمارها يولد المعرفة، فالمعلومة تولد معلومة أخرى، فيصبح الموقع متجددًا ومتطورًا، وبالتالي أصبح للمعلومات مكانة مهمة وأساسية في تكوين المجتمع الجديد، وقد وفرت شبكات الاتصال والحواسيب خدمات معلوماتية وقدرة على استخدام التكنولوجيا في مجال الفكر والعقل الإنساني والاتصال ونظم الخبرة والتطور العالية.
لكن اللافت للنظر أن النوعين السابقين من المواقع يتم بشكل فردي بعيدًا عن الدعم الحكومي المفترض لمثل تلك النوعية من الثقافة، على الرغم من أن تلك الثقافة هي ثقافة «بسيطة التكلفة»، و«سريعة الانتشار»، كما أن أغلب تلك المواقع يتسم بضعف المستوى الفني والتقني، مقارنة بمواقع أوروبية تعنى بالخط العربي، كما أنك تصاب بإحباط شديد عند زيارة أحد المواقع فتجده معطلا أو لا يعمل. ولكن العوائق المالية أو الفنية ليست هي السبب الرئيس في استخدام التقنية بل إن العنصر البشري له أثر كبير في ذلك.
والسؤال الثاني: هل استفاد فن الخط العربي من الواقع التقني الحالي؟
يمكن أن نتفهم إمكانات الواقع التقني الحالي في مجال حيوي وهو «التعليم». وللأسف لم يستفد الخط العربي من الإمكانات والرؤية التعليمية الحديثة المتاحة على الإنترنت، على الرغم من ظروف العصر والزيادة السكانية المتمثلة في ازدياد عدد طلبة المدارس والجامعات، وتغير ظروف الحياة والمجتمع والتي على ضوئها تغير مفهوم التربية بشكل عام ومفهوم تعلم فن الخط العربي بشكل خاص، من تزويد الطالب بالمعلومات التي تساعده على الحياة العملية إلى تزويده بالمهارات التي تعده للحياة، فقد نشأت الحاجة إلى تطوير دور المعلم من مزود بالمعلومات إلى مُكسب للمهارات العملية وأساليب البحث الذاتي لطلابه التي تعده للحياة وتنمي استقلاليته وتوثق اعتماده على نفسه. من هنا فقد أخذ دور المعلم يتجلى في إتاحة الفرصة للطالب للقيام ببعض الدراسات المستقلة تحت إشراف المعلم وبتوجيه منه، إذ أن مثل هذه الخبرة التعليمية من شأنها أن تزود الطالب بمهارات البحث الذاتي وترشده إلى كيفية الحصول على المعرفة من تلقاء ذاته إذا لم يوجد المعلم بقربه كما في التعليم عن بعد.
فتخلو الساحة المعلوماتية في الوقت الحالي من أي مواقع تعليمية تتيح تعلم الخط العربي بمنظور ورؤية تفاعلية مع معلمه، فقديمًا كان التعليم يركز على تلقين المعلومات وحشو ذهن الطالب حيث كان يقدم معلومات نظرية تتعلق بالفلسفة والخيال ولم يكن لها ارتباط بالواقع العملي. ونادرًا ما كانت تتضمن فائدة عملية تطبيقية، علاوة على أنه لم يكن للطالب أي دور في العملية التعليمية باستثناء تلقيه هذه المعلومات سواء كانت هذه المعلومات ذات معنى وفائدة بالنسبة له أم لا، وما كان على الطالب في نهاية الأمر إلا حفظها بهدف استرجاعها وقت الامتحان، وهو أمر يبتعد عن طبيعة التعلم في فن الخط العربي، وذلك على الرغم من أن التربويين العاملين في حقل الخط العربي يبحثون باستمرار عن أفضل الطرق والوسائل لتوفير بيئة تعليمية تفاعلية لجذب اهتمام الطلاب وحثهم على تبادل الآراء والخبرات.
وبالفعل تعد شبكة الإنترنت وما تتضمنه من وسائط متعددة من أفضل الوسائل لتوفير هذه البيئة التعليمية الثرية، وتكمن قوة تزاوج الكمبيوتر والإنترنت في إمكانية الربط بين الأشخاص عبر مسافات بعيدة جدًا، ومصادر المعلومات المختلفة. خصوصًا بعدما شعر معلم الخط العربي أن تلقين المعلومات وشرحها للطالب ليس كافيًا لتوصيل ما يريد توصيله ما لم يستخدم بعض الوسائل التعليمية التوضيحية من صور وملصقات ومجسمات وغيرها، ولكن دون أن يرافقها تخطيط لاستخدامها، أو معرفة الهدف من إجرائها أو حتى توقيت استخدامها ومناسبتها للطالب، ومع هذا فقد ساعد هذا الدور على إدراك ضرورة شرح فن الخط العربي بشيء من التوضيح وربط ما يدرسه المعلم من مادة نظرية بالواقع العملي والفني، وأهمية أن يوظف الطالب يده في أثناء تعلمه، ومع هذا فقط ظل المعلم هو المسيطر على العملية التعليمية، المهيمن على مجريات أمورها، المستخدم لوسائلها والمقيم لأداء طلبتها.
كما تعد شبكة الإنترنت وسيطًا قويًا لجمع المعلومات. فبدلاً من الذهاب إلى المكتبة وقضاء ساعات في محاولة لإيجاد المعلومة الصحيحة التي غالبًا ما تكون قديمة بمرور الوقت الذي نشرت فيه؛ يمكن لمستخدمي الشبكة الوصول إلى المعلومة الحالية في حدود دقائق. كما أصبحت الإنترنت أداة رائعة للطلاب المؤهلين للبحث عن هذه المعلومات، فمثلاً أي طالب يبحث عن موضوع ما يمكنه بسهولة إيجاد كمية كبيرة من المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع في المواقع المختلفة على الشبكة، ومجموعات البريد. فالإنترنت تلبي احتياجات الباحثين بصرف النظر عن الموضوع المراد البحث عنه؛ لأن المعلومات الجديدة تضاف بصفة دائمة للإنترنت حيث يزداد حجم المعلومات والبيانات المتداولة عبر هذه الشبكة بمعدل 10% شهريًا أي 214% سنويًا، ويقدر عدد الكمبيوترات التي تضاف إلى قائمة مستخدمي شبكة الإنترنت بألف كمبيوتر يوميًا، ويبلغ عدد المستخدمين في اليوم 35 مليون فرد منهم 10 ملايين بطريقة مباشرة و25 مليوناً بطريقة غير مباشرة، وهذا المعدل يزداد بواقع مليون مستخدم شهريًا.
وتنقلنا هذه المعلومات إلى سؤال مهم وهو: هل استطاع الخط العربي أن يحجز له مكانًا بارزًا في الاستخدامات المختلفة للإنترنت في المستقبل؟
أولاً: نظرًا لأن معظم المواقع والبحوث المكتوبة في الإنترنت باللغة العربية؛ فإن الاستفادة الكاملة من هذه المعلومات ستكون من نصيب من يتقن اللغة العربية، وهذا تحجيم خاطئ في المحيط المعلوماتي أن نظن الخط العربي قاصر على العرب والمتحدثين بالعربية فقط. ومن هنا يمكن القول بأنه لابد من إعادة النظر في طبيعة المعلومات والمواد المدونة باللغة العربية والعمل على ترجمتها لأكثر من لغة، وللغة الإنجليزية على الأقل كمرحلة أولى.
ثانيًا: يمكن الاستفادة من الوفرة الهائلة في مصادر المعلومات: الكتب الإلكترونية، الدوريات، قواعد البيانات، الموسوعات؛ في إنشاء مواقع تعليمية تفاعلية لفن الخط العربي، تعتمد هذه المواقع على الاتصال غير المباشر «غير المتزامن»، حيث يستطيع الأشخاص من جنسيات متعددة وأماكن متفرقة التواصل فيما بينهم بشكل غير مباشر ومن دون اشتراط حضورهم في الوقت نفسه، والتفاهم حول موضوعات معينة، من خلال «البريد الإلكتروني، البريد الصوتي».
ثالثًا: تقتني المكتبات ومراكز الأرشيف والمتاحف في كثير من البلدان العربية قطعًا ولوحات خطية كثيرة، ومن الصعب عرضها للعموم نظرًا لضيق المساحة المتاحة، أو لحساسية هذه القطع، أو للتكلفة الباهظة اللازمة لإنشاء وإدارة أماكن عرض مناسب. وتعد المعارض المتنقلة أو التي تعتمد على المجموعات المتعددة أكثر تعقيدًا نظرًا للمصاريف الباهظة التي تترتب على النقل والتأمين على الأغراض التي لا تقدر بثمن، لذلك فإن إنشاء متاحف افتراضية تعرض ذخائر تلك المتاحف في العالم العربي من كنوز فن الخط العربي أمر ضروري، وأصبح محل اهتمام عدد كبير من الدارسين والباحثين العرب والأجانب على حد سواء؛ نظرًا لقيمتها العلمية والفنية، إضافة إلى كونها جزءًا مهمًا من التراث الوطني لمختلف البلدان العربية، والحفاظ عليها يعني الحفاظ على الهوية القومية بمختلف أبعادها في ظل ما يشهده العالم من تغيرات.
رابعًا: العمل على جمع ومعالجة لوحات الخط العربي الموجودة بدور المتاحف المختلفة مثل مجموعة دار الكتب المصرية، ومجموعة قصر الأمير محمد علي بالمنيل، والعمل على «الرقمنة والتوثيق الإلكتروني» بحيث تتم عملية الرقمنة بنقل الوثيقة على وسيط إلكتروني، ومن ثم يمكن استخدامها وحفظها، وتمكن هذه الطريقة من عملية النشر على نطاق واسع خصوصًا في حالتين، أولاها: أن تكون المجموعة تبلغ عدة مئات من اللوحات والقطع، وثانيها: تجاوزًا عن الزيادة الرهيبة في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة.