لا شك بأن الترفيه صار صناعة وفناً، وهو استثمار قائم بذاته، وقد تنبهت الكثير من الدول والشعوب لأهميته ودوره في تطوير الرقي والذوق الجمالي للفرد. والدول المتقدمة تحرص على الترفيه في الحي السكني، حيث تقيم الحدائق والملاعب للأطفال والمكتبات الصغيرة للكبار. وللأسف فإنه في بلادنا لا نهتم بذلك، فتجد بعض مدننا كئيبة وكالحة وخالية من فن الترفيه، هذا الفن الذي أخذ يجلب السياحة وينميها، وبخاصة عندما نهتم بالجانب التراثي المنسي في الوطن، مثل الرقصات الشعبية والألعاب القومية خصوصاً في الميادين العامة والتي تخصصها بعض الدول لجذب السياحة الداخلية والخارجية، والكثير من البلدان العربية تزخر بالكثير من هذه الفنون وغنية بتراثها القديم والجديد. والكآبة في المدن قد تحبط الفرد فيها، وبخاصة الأطفال الذين يخنقهم المنزل حتى لو كان مليئاً بأدوات وآلات الترفيه، فالطفل ينطلق خارج منزله ويجد فيه حرية اللعب والبحث عن الجديد، ويعود إلى المنزل بروح جديدة.
وحتى في ديننا الحنيف، فإن السنة تدعو لأن نروح عن أنفسنا ساعة بساعة، فإذا كلت القلوب عميت. ولأن الرتابة والروتين يشكلان ثنائياً قاتلاً في حياتنا اليومية، والقبح يشكل عاملاً هداماً فيها؛ لذا فإن الترفيه يشكل العامل الجمالي والذي يصبغ الحياة بلون الفرح والأمل والسعادة. والدول الواعية والمتقدمة، هي التي جعلت الترفيه صناعة جمالية يمكن أن تصبغ كل الحياة، خصوصاً في مجال الفنون، فيمكن نشر الوعي الجمالي في كل دروب الحياة اليومية، ولذا أصبحت السينما صناعة مربحة، وبخاصة عندما ترضي الذوق الجمالي للفرد. وصناعة الفيلم أصبح لها دورها في ذلك، بحيث تكون دور العرض جاذبة ومحفزة للفرد لكي يعتبرها واحدة من وسائل الترفيه الحديثة عنده. ولا يتوقف هذا على السينما فقط، وإنما على كل الوسائل المرئية والمشاهدة، فالقنوات الفضائية صارت ذات مهمة ترفيهية عالية، ودورها أصبح خطيراً في الوعي الجمالي والترفيهي اليومي للفرد، بل يمكن أن يتواصل بها مع العالم الآخر، فيتابع كل مستجد حاصل في عالم اليوم، ولقد أصبحت بجانب أنها وسيلة ترفيهية من الوسائل التعليمية المهم والخطيرة، وحتى الإعلان فيها، جعله المتخصصون وسيلة ترفيهية جاذبة ومثيرة، وينضم بذلك إلى الجانب الجمالي المفيد في الترفيه. وقس على ذلك، فوسائل التواصل الإلكتروني تعد واحدة من أهم وسائل الترفيه اليومي للشباب، وقد أصبح يملأ فراغ العديد منهم رغم السلبيات.
في عالم اليوم، يعتبر الكتاب وسيلة من وسائل الترفيه والثقافة وصنع الجمال في داخل الإنسان، ولذا فهو ينال الاهتمام الأكبر، وبخاصة في المجتمعات المتقدمة، حيث رخص النشر والتسويق والتوزيع مما يسهل تداول الكتاب بين أفراد المجتمع صغيرهم وكبيرهم. وتجد انتشار المكتبات العامة في الأحياء هو الدليل على وعي الدولة بالقيم الثقافية والجمالية ونشرها وتداولها، ولعل هذا ما ينقصنا في بلادنا، حيث صعوبة النشر بالنسبة للكاتب، وصعوبة امتلاكه بالنسبة للقارئ، وبهذا يحرم المواطن العادي، من أهم أدوات الثقافة وتوصيل الجمال والوعي المعرفي للآخر. وقديماً قيل بأن خير جليس في الزمان كتاب، والجليس هو الذي يمثل أهم مبدأ في الترفيه اليومي المتبادل بالنسبة للفرد العادي، منذ أن بدأت المجتمعات الإنسانية في التكون. وعندما يصبح الكتاب جليساً للفرد فهو بذلك يكتسب قيمة ترفيهية راقية، بحيث تجد فيه المتعة الذهنية واكتساب المعرفة، ويجعلك تعيش في لحظات جمالية متفردة، فهو يغنيك عن مجالسة الآخر والتي كادت تكون صعبة ونادرة نسبة لانشغال الفرد في هذا الزمن بسبل كسب العيش والبحث عن ما يحفظ كرامته في عالم المادة الذي لا يرحم. فالكتاب يمثل ثالوث التواصل الخالد، فهنالك مرسل وهو المؤلف أو الكاتب، وهنالك الرسالة وهي مادة الكتاب، وهنالك المستقبل، وهو المتلقي أو القارئ. وهنا نجد بأن الرسالة لو كانت جيدة ومعدة إعداداً عالياً، وراقياً، فإن قراءتها بمثابة جلسة ترفيهية عالية ذات عدة فوائد، منها جانب المتعة وانشغال جميع الحواس به، والانتقال من مكان لآخر، وهو ما يطلق عليه الناقد الفرنسي رولاند بارت (نص اللذة)، وهنالك متعة المعرفة واكتساب الثقافة والمعلومة الجديدة والمفيدة من الكتاب، وهو ما يطلق عليه الناقد نفسه رولاند بارت (نص المتعة)، ويقصد به متعة الذهن واكتسابه لهذه المعلومة الجديدة. ولعل استيقاظ الحواس في النصوص المفيدة والجديدة، هو ما يمكن أن يضيف أيضاً ما يمكن أن نطلق عليه (المتعة الجمالية)، تلك المتعة التي تجعله يشمل أهم جانب ترفيهي يمكن أن يكتسبه القارئ والمتلقي.