مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

الفنانة الفلسطينية أميرة الكباريتي.. الحياة بلوحات من فن (الماندالا)

رسوم تلقائية يمكن أن تجد نفسك قد رسمتها دون أن تدري ما تفعل، سواء في لحظة شرود أو حتى في لحظة صفاء، يعتبرها البعض (شخبطة)، ولكن الأكيد أنها فن مستقل بذاته يقدم رسالة قوية، في شكل هندسي رائع.
أميرة الكباريتي (22 عاماً)، من حي الدرج شرق مدينة غزة، واحدة من أولئك الذين شغفتهم الخطوط والدوائر المتداخلة ببعضها تداخلاً منتظماً، لتصبح أحد رواد فن (الماندالا) في فلسطين.

(الماندالا) هو مجموعة من الرموز الزخرفية، وكلمة (ماندالا) في اللغة السنسكريتية الهندية تعني (دائرة الحياة)، وأصبحت (الماندالا) مصطلحاً عاماً لأي تخطيط، تعود أصوله إلى الثقافة الهندية القديمة، وانتقل إلى بقية الشعوب في بداية القرن الحادي عشر ومنها مصر، يقوم على فكرة النقوش الدقيقة المتوازنة وفق نظام محدد، لتخرج لوحة فنية غاية في الروعة في نهاية الأمر.
استحدث هذا الفن من قبل الهندوس البوذيين، للتعبير عن صورة الكون الميتافيزيقي، فالدائرة الأساسية فيه تشير إلى مركز الكون، ومن ثم تأتي أشكال دائرية لا بداية ولا نهاية لها على هيئة مربعات متداخلة مع بعضها البعض، وأخرى تجمع بين المربع والدائرة.
تقول أميرة عن هذا الفن: (قد لا يعرف البعض أنه يمكنهم أن يكونوا أحد فناني الماندالا، فيمكن للجميع بداية الرسم دون خطة أو تصور مسبق، وربما يمارسها البعض في المنازل والمكاتب وهم لا يعلمون، فرسم (الماندالا) لا يكون بهدف الوصول إلى شكل نهائي وإنما يتولد الهدف عند الرسم، ويمكن أن ترسم حتى لا يبقى لديك مساحة في صفحتك).
لكنها تؤكد أن هذا لا يعني أن يغيب التناسق والتناغم عن اللوحة، فهو شرط أساسي بين أجزاء الرسمة، خاصة إذا نجحت في تكوين تصميم كامل متوازن ومتساوي الزوايا إلى حد كبير.
رسم (الماندالا) أو فن البهجة وفقاً لأميرة، هو وسيلة لقياس الإنجاز والشعور به، فهو يمنحك حالة من الرضا النفسي والسلام الداخلي، وحول ممارستها تقول: (منذ عام 2015 تمرست في هذا الفن فبدأت أرسم باستخدام الألوان، وأضفت للوحات المزيد من الزخارف الدقيقة والتفاصيل).
أميرة التي تعشق الرسم وتمتلك موهبته منذ سن العاشرة وتعلمت رسم الشخصيات أولاً، تعرفت على فن (الماندالا) بالصدفة وهي تقلب في صفحات الإنترنت، ولكن الأمر أعجبها لدرجة أنها حاولت تقليد بعض ما رأته، قبل تخرجي في سنة رابعة حيث كنت أقوم بالخربشة ورسم زخارف مختلفة مربعات، وأشكال أخرى متداخلة، دون أن أعرف طبيعتها.
ونشرت ما أنتجت لأصدقائها على مواقع التواصل الاجتماعي، فنالت إعجابهم، لتطور الفكرة بعد ذلك إلى البحث والتعرف على هذا الفن عن قرب.
ورغم وجود هذا الفن منذ سنوات طويلة، لا تنكر أميرة أن الفن الذي تمارسه مازال يحتفظ بكثير من الأسرار، وأنها كلما تعمقت في ممارسته والبحث عنه تكتشف جديداً حوله، مشيرة إلى أن دراسات كثيرة في الفترة الأخيرة أثبتت أن فن (الماندالا) هو وسيلة للتخلص من التوتر العصبي والضغوط الحياتية السلبية، خاصة لأنك تغرق في حالة من التأمل والهدوء النفسي، لهذا انكب على دراسته عدد من المهتمين بعلوم الطاقة.
رغم أنها لم تدرس التربية الفنية وإنما درست (اللغة الإنجليزية)، استطاعت أميرة في شهور بسيطة إتقان فن (الماندالا)، وهي أكثر المستفيدين من ممارسة الفن الراقي والهادئ، كما تصفه، فهي تتخلص سريعاً من شحنات الغضب والطاقة السلبية، ولا تعرف للاكتئاب طريقاً، مؤكدة أن البعض يعتبر ممارسة فن الماندالا نوع من أنواع اليوجا، لما له من آثار كبيرة على النفس، ويساعد على التأمل أيضاً بعيداً عن ضغوطات الحياة.
في رسوماتها مزجت أميرة بين الفن الهندي وبين الأفكار اليونانية، فتجد طائر البوم حاضراً بقوة في لوحتها، وعن هذا تقول: (كنت أقرأ في صغري قصصاً عن طائر البوم، في الثقافة اليونانية والذي يرمز إلى الحكمة، ومزجاً بين الحكمة والتأمل كان البوم ضيف لوحاتي الدائم).
(الماندالا) معروفة لدى كثير من الشباب على أنها موضة، غزت الملابس، والإكسسوار، وغطاء الهواتف النقالة، وحتى في ديكورات المنازل، وهذا ما سعت أميرة إلى تجسيده من خلال رسمها على الآلات الموسيقية كجزء من لوحاتها الفنية.
مجموعة اللوحات التي أنجزتها أميرة، يقدر عددها بـ 30 لوحة يتراوح ثمنها ما بين 80 - 100 دولار لكل منها، وتضع الرسامة في مكتبها لوحات فنية غريبة، وكاسات زجاجية بأشكال مغرية، تجذب الأنظار وقوارير بأشكال مختلفة.
تنصح أميرة الجميع بممارسة هذه الشخبطات، من وقت لآخر، الذي تحول من طقس ديني إلى هذه الأشكال الهندسية المستوية المقدسة، إلى فن إبداعي مستقل، فهي تساعد على كسر الروتين اليومي للحياة، ويساهم بشكل كبير في خلق مساحة شخصية، تخص كل ما يمارس هذا النوع من الفنون.
وتستخدم أميرة كل شيء متاح لرسمها، فتقول: (أستخدم الألوان المائية والزيتية والطباشير والخشبية، كما أرسم على أي مساحة ممكنة وقد جربت العمل على الورق أو الرخام بعد ذلك أصبحت أرسم على الآلات الموسيقية ثم على الجدران، ثم رسمت على العود والدف وعلى اليدين).
دعم الأهل يبرز مرة أخرى كأكبر داعم في مسيرة أميرة، فالطفلة التي بدأت الرسم مبكراً وجدت اهتماماً كبيراً من قبل عائلتها التي وفرت لها كافة الإمكانيات لممارسة هوايتها وتنمية قدراتها.
تستغل أميرة صفحتها على موقع (انستغرام) للتواصل الاجتماعي، للترويج لأعمالها الفنية، التي بدأت تلقى رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة، ما حقق مكاسب مادية في بيع بعضها، ولكن الهدف الأكبر لأميرة يبقى إقامة معرضها الخاص لتصبح نجمة من نجوم الفن الهندي، والمشاركة بمعارض فنية خارجية تمثل فيها فلسطين.

ذو صلة