مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

برحيل صالح الأشقر البيت يفقد ظلّه

ودَّع الوسط الثقافي في المملكة الأديب صالح بن عبد الله الأشقر، الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد صراع مع المرض، والأشقر أحد الأسماء التي برزت في مرحلة الثمانينات الميلادية، عبر تجربته الممتدة في الكتابة الإبداعية إلى جانب الركض الصحافي من خلال إشرافه على أكثر من ملحق ثقافي متخصص والكتابة المقالية في أكثر من صحيفة.
ولد الأشقر عام 1951 في مدينة حائل، والده شاعر الجبلين في حائل عبد الله الأشقر -رحمه الله-، لذا ليس غريباً أن يرث موهبة الإبداع ولكنه لم يتجه للشعر كوالده بل إلى النثر فقد كان من المتميزين في كتابة القصة القصيرة.
حصل على البكالوريوس من قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، وعمل في المستشفى التخصصي، وبحسب اهتماماته الإعلامية والأدبية مارس العمل الصحفي، وأشرف على الصفحات الثقافية في جريدة الجزيرة في فترة تميزها في الثمانينات الميلادية، ثم انتقل لجريدة الرياض، وكانت له متابعاته الثقافية، ثم آثر الابتعاد عن الصخب الإعلامي، قارئاً ومتابعاً عن بعد، متجهاً إلى الفن التشكيلي، وكتابة بعض النصوص القصصية حيث يقول في حديث أجري معه عند سؤاله في إحدى المقابلات الصحفية عن سبب غيابه: (لا تفسير لدي سوى الكسل والتراخي، وشغلت في فترة من حياتي بالفن التشكيلي، وهناك مجموعة قصصية جاهزة للطبع، وهي (تكوين)، وأما الرواية فلدي تفكير جاد، ولكن لا أريد أن تكون نسخة مكررة من الأعمال الموجودة، وإنما أفكر أن أقدم عملاً مختلفاً أو أتوقف عن العمل، وأنا متابع للأعمال الروائية السعودية، وأعتقد أن الحركة الروائية لدينا تتقدم بشكل جميل وبدأت تنافس على المستوى العربي).
للأشقر مجموعتان قصصيتان الأولى (ضجيج الأبواب) 1989، قبل سنوات وتحديداً عام 2008 صدر له عن نادي الرياض الأدبي المجموعة الثانية (وظل البيت).
يقول عنه الناقد السعودي عبد الله السفر ترتبط، في ذهني، كتابة القاص صالح الأشقر بكلمة (العذوبة)، أراها تؤشّر على ما يكتبه وتختزله في هذه الصّفة الجميلة، بما تحيل عليه من خفة ورشاقة وسلاسة وعفوية، تنساب بليونة نديّة، تشعرك بجدّتها وبكارتها. ثمّة شيء يسري بسهولة ويسر مثل أغنية تنطلق من حنجرة مدرّبة تعرف مواقع الصوت ومراتب التأثير. هذا الانطباع الذي تتركه قصص الأشقر، ربما، منشؤه يعود إلى تلك السمة المائزة التي لا يخلو منها نصٌّ من نصوصه سواء أكان طويلاً أم قصيراً، حيث الكتابة تتمركز حول المشاعر والانفعالات، يستظهرها فيّاضةً مشحونةً بنبرة الألم والوحشة وكثيراً ما تكون، أو بنشيد الفتنة والوله وقليلاً ما تكون. نلتقي بتلك المشاعر والانفعالات بشكلها المباشر كألفاظ أو بانعكاسها أثراً من وحدات المشهد إذْ يلعب التّكرار دوراً مضاعفاً، يعزف على الوتر ذاته وفي الموضع ذاته، فيَغْزُرُ صبيبُ التوتر والانفعال. نحن، في قصص الأشقر، إزاء حالات تتوسّل الحدثَ منطلقاً، وشرارةً يديرها الكاتب إلى داخله العامر بكثيرٍ من الهشيم ينتظرها بشغف. يتلقّى التفصيل الصغير فيحفر المجرى ويتوسّع فيه إلى أقصى ما تمنحه العاطفة.
وقد وجه إليه، في حوار نشرته صحيفة الاقتصادية، وكان وقتها يكتب عموداً أسبوعياً بها، السؤال التالي (تشتغل بشكل خاص ومتميز على قاموس لغوي غني، وتستلهم من التفاصيل اليومية المعاشة عالمك السردي الخاص. ألن يكفي غنى اللغة وانحيازك لها، بالإضافة إلى عمق التفاصيل، ألن يكفيان عن الاعتماد على دراما السرد وحداثيته؟) يقول الأشقر رحمه الله: (الحياة يا سيدي من الولادة وحتى القبر هي قصة تروى كل ثانية، هناك أناس يولدون وفي ذات اللحظة هناك أناس يموتون، وبين الولادة والقبر حيوات. أنت حين تكتب لا تستطيع أن تكتب خارج الحياة والموت، أي كاتب في هذه الدنيا لا يكتب عن هذين البعدين يكتب عن عوالم أخرى).
اهتمامي بالتفاصيل الصغيرة هو اهتمام بالحياة لأن الحياة هي تفاصيل طفيفة وصغيرة، تبدأ منذ الصرخة التي تصير أنت فيها واحداً من تلك التفاصيل!
نعم أنا أعترف وبكل صدق وأمانة أن التفاصيل الصغيرة هي عالمي وهي التي تلهمني.
الحياة بكل تفاصيلها هي (دراما)، هي مأساة يحاول المبدعون أن يجعلوا الطريق إلى نهاية المأساة مكللاً بالورود. نحن نحاول أن نكتب هذه القصة بين البعدين، أحدهم يكتب هذه القصة ببضعة أسطر، وبعضهم يكتبها بمعلقة، وبعضهم يكتبها بملحمة.
واللغة كائن حي مثلها مثل الكائنات، ولهذا هي تمشي وتتنفس وتحيا وتموت. أنا أنتمي للغة الحية لأنني وبكل بساطة إنسان حي، والحياة في أي مكان هي التي تخلق اللغة والأفكار. لا توجد أفكار خارج اللغة.
رحم الله الأديب القاص صالح الأشقر.. الذي كان حاضراً على الرغم من غيابه وابتعاده في سنواته الأخيرة، والذي استعجل المرض بأمر الله رحيله، أثق بأن لديه قلباً كبيراً يستوعب مساحات الود والحزن التي تحيط به، والتي ودعته منذ أيام إلى مثواه الأخير، صالح الأشقر لن يغيب فبكل تأكيد أضاف إلى أجندة الثقافة في المملكة العربية السعودية إبداعاً وألقاً جميلاً سيبقى خالداً.

ذو صلة