مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

القناطر روائع العمارات القديمة

القنطرة إحدى المخلفات الحضارية البارزة، والتي تعرف على أنها عنصر معماري مبني بالحجارة المختلفة الأنواع والألوان، موجودة داخل الأبنية القديمة وفي واجهاتها، ذات أشكال متنوعة، أصلها الشكل الدائري. هذا وتلعب القنطرة عدة وظائف وتحمل قيماً ذات دلالات كثيرة منها الوظيفة العملية (الدعائمية) التي تتلخص بتقوية البناء وحمل كتلة السقف والقبة إن وجدت، ونخص بالذكر على سبيل المثال الأبنية الدينية كالكنائس والمساجد.
أما الوظيفة الجمالية فهي التي تختص بتجميل البناء وتزيينه فقط دون القيام بمهمة حمل السقف أو أي شيء آخر، لأن القنطرة هنا ستكون موجودة بجانب أحد الجدران الداخلية أو الخارجية، وربما متداخلة معها، على أن تقوم الأعمدة والعضادات والأكتاف بحمل الكتل العلوية الثقيلة من سقف وعناصر أخرى.

أشكال القناطر
تختلف القنطرة كبراً وصغراً تبعاً لحجم البناء الموجودة فيه، ولدورها فيه. أما أشكالها فمتنوعة منها النصف دائري والمقوس والحدودي وذات الرأس المدبب. وبإمكاننا القول نسبياً إن شكل القنطرة يتبع للفترة التاريخية التي كانت تسود، ففي الفترة الرومانية مثلاً كانت أغلب القناطر ذات شكل نصف دائري تماماً، تلاحظها في المعابد والقصور والحمامات. وفي الفترة البيزنطية ازداد القوس انحناء للداخل، مما أدى لرفع البناء نظرياً للأعلى. أما الفترات الإسلامية اللاحقة فقد ازداد الانحناء الداخلي للقوس لدرجة كبيرة، خصوصاً في الفترة العثمانية، وأمثلتها متوافرة في الخانات والحمامات والمساجد والمدارس.

المعاني والقيم الفنية
إذا أضفنا شكل القنطرة للبناء المحيط بها يمكن أن نحصل على مظهر فني مهيب، ويمكن للقنطرة وحدها أن تحمل معاني وقيماً كثيرة تتجسد في تزيينات ونقوش متنوعة الأشكال والمضامين والتي قوامها المنحوتات البارزة والغائرة.
المعاني الدينية: تتضمن حجارة القناطر قيماً ودلالات سامية نبرز شيئاً منها: فالقناطر الرومانية تحمل رسوماً وأشكالاً للآلهة الوثنية التي عبدت في تلك الفترة. أما البيزنطية فتختص بحمل رمز الدين المسيحي (الصليب)، سواء أكان نافراً أو غائراً.
أما المعاني الاحتفالية أو القومية فقوامها رسوم وتزيينات دالة على مناسبة قومية كبرى كنصر مظفر أو عيد وطني، حيث أشكال الأعمدة وأقواس لنصر وأكاليل الغار، ويمكن من خلال المعاني الطبيعية أو البيئية أن نعرف شيئاً عن مواصفات البيئة القديمة، وذلك من خلال الرسومات المنفذة على القنطرة، مثل أوراق وثمار العنب وسنابل القمح وأوراق التين والكانثا وثمار الرمان.

أقسام القنطرة
يظهر للوهلة الأولى أن القنطرة هي كتلة واحدة ليست لها أقسام، وحقيقة الأمر أنها تتشكل من أقسام ثلاثة، هي اعتباراً من الأسفل:
- القاعدة: وهي الركيزة المستقيمة المتموضعة على الأرض مباشرة والتي تدخل عادة في جسم الجدار الملاصق لها ليقوم هذا الجدار بدعمها وسندها مخففاً من الانزياح الذي قد يحصل من ثقل كتلة السقف وما يعلوه، هذا ولقاعدة القنطرة في معظم الأحيان تاج بسيط ذو شكل هندسي.
- البدن: أو الجسم وهو الجزء المقوس والمنحني من القنطرة على شكل نصف دائري مرتكز على قاعدتي القنطرة.
- القفل: ويمكن اعتباره متمماً لقسم البدن كونه موجوداً فيه، إلا أنني أفضل أن يكون القفل الجزء الرئيس الثالث للقنطرة، وذلك لأسباب كثيرة ومهمة، ألخصها في أنه إذا لم يوضع القفل في مكانه فلا يمكن أن تنتصب القنطرة في جانب من الأهمية، والقفل وحده في الجانب الآخر.
القفل هو الحجر الأوسط من القنطرة من الأعلى والذي ما أن يوضع في منتصف القوس حتى يطبق الكتلة نصف الدائرية ويجعلها بنياناً واحداً، وقد يحمل القفل أو المفتاح كما يحلو لبعضهم تسميته نقوشاً تزيينية جميلة كالذي يحمله قفل قوس الهيكل في دير الراهب في بصرى الشام السورية، حيث أوراق وثمار العنب في إطار نحتي نافر بشدة. ومن المرجح أن تكون القناطر قد رفعت للمرة الأولى في بلاد الرافدين القديمة والسبب في ذلك تطور العمارة في تلك الحضارة من جهة، وقلة الحجارة والأخشاب في المنطقة من جهة ثانية، الأمر الذي حدا بالمعماري ابتكار القناطر والعقود والقباب المكونة من الآجر بغية الاستغناء عن الحجر والخشب.

كيف بنيت القناطر
ما زالت الطريقة التي بنيت فيها القناطر محط تفكير الباحثين والمهتمين بالآثار وهندسة العمارة القديمة، وخلصت أبحاثهم لفرضيات تحليلية مؤقتة بانتظار الكشف العلمي الحاسم.
أفادت جميع الطرق الافتراضية لبناء القناطر أنه لرفع القنطرة يتوجب وضع مادة معينة تحت حجارة القنطرة، وبعد رفع كامل الحجارة ووضع القفل تزال تلك المادة المساعدة.
الطريقة الأولى: هي طريقة التراب أو الرمل والتي مفادها أنه بعد تشييد الجدران الجانبية، وبناء قاعدة القنطرة؛ يطمر البناء أو المكان المزمع بناء القنطرة فيه بالتراب أو الرمل حسب المتوافر والمرغوب فيه، وتبدأ عملية رصف الحجارة بشكل منحنٍ (قوس دائرة)، وقبل أن يوضع كل حجر تحته كمية مناسبة من التراب أو الرمل ليرتكز عليها، والعمل يتم سوية من كلا الجانبين، وبعد أن يوضع القفل العنصر الأهم تكون القنطرة قد اكتملت وتمسي قادرة على حمل الأوزان الهائلة فوقها، ومنها كتلة السقف، وفي النهاية ينقل التراب أو الرمل المتكدس في الغرفة لخارج البناء.
الطريقة الثانية: لا تختلف عن الطريقة الأولى إلا بالمادة الركيزة، وهي أكياس التبن، وفي الحقيقة توفر الطريقة المعروضة هذه مادة خفيفة الوزن سهلة الحركة دخولاً وخروجاً من وإلى المكان المقصود.
أما الطريقة الثالثة: فنجدها أكثر نضجاً لسهولتها النسبية ورجحانها علمياً، وهي طريقة الهياكل والسقالات الخشبية والمعدنية. تفيد هذه الطريقة أنه يتوجب صناعة قالب حديدي أو خشبي قبل إنشاء القنطرة، بعد ذلك يعمد إلى قياس حجم القالب (الهيكل) المقوس الشكل، ثم يحسب عدد الحجارة الواجب نحتها وصقلها لكي تجرب على القالب وهو موجود على الأرض قبل رفعه. وبعد مطابقة أحجام الحجارة للقياسات المطلوبة ينتصب الهيكل في المكان المناسب من البناء وترفع الحجارة المنحوتة عناصر القنطرة المزينة بالرسومات إلى مكانها مصطفة الواحدة بجانب الأخرى من كلا الجهتين حتى يلتقيا في المنتصف بالقفل الذي يغلق القنطرة، الأمر الذي يعني انتهاء دور الهيكل القالب فيبعد خارج البناء. وهذه الطريقة معقولة جداً، وبخاصة في قناطر النوافذ الكبيرة الموجودة في جدران البناء الجانبية، وهناك طرق كثيرة تسردها المعطيات الأثرية تختلف عن بعضها بالمادة الركيزة فقط.


للأجداد كلمة
عند سؤال أجدادنا من كبار السن المتنعمين بعمر طويل عن أكثر هذه الطرق رجحاناً أجاب أغلبهم: مع أن طريقة التراب والرمل والهياكل المعدنية تبدو أكثر منطقية إلا أننا نردها لعصور قديمة كالروماني والبيزنطي، أما في عصورنا الإسلامية ومن خلال حكايا آبائنا وأجدادنا ومعايشتنا لأواخر المرحلة العثمانية؛ فإننا نرجح طريقة أكياس التبن، فبلادنا ذات سمات زراعية تشتهر بزراعة القمح والشعير التي يمكن من خلالها الحصول على كميات كبيرة من التبن المعروف بوزنه الخفيف، فكان يملأ بأكياس كبيرة ويوضع ركيزة لبناء القنطرة.

pantoprazol 60mg pantoprazol takeda pantoprazol iv
pantoprazol 60mg oforsendelse.site pantoprazol iv
ذو صلة