أحمد الغانم: رحلة مع (الفلوت) عبَرت بالمقامات العربية إلى العالمية
حوار/ هدى عبدالله: الرياض
أحمد الغانم أحد أبرز الملحنين والمؤلفين الموسيقيين في البحرين، أثرى الساحة الفنية بألحان تعكس جمال التراث البحريني بروح عصرية تلبي ذائقة الأجيال المختلفة. تتضح من خلالها رؤيته للفن الموسيقي ومستقبله، ودوره في تعزيز الهوية الموسيقية البحرينية على المستويين المحلي والعالمي.
منذ كنت تدرس الموسيقى في مصر وأنت تحلم بالتأليف الموسيقي، حتى ألفت مقطوعة بعنوان (توسل) في كاتدرائية سانت كريستوفر، حدثنا عن تلك البداية مع التأليف الموسيقي؟
- لقد تعمقت في دراسة المواد المساندة للتأليف أكثر مما هو مطلوب منا كطلبة في المنهج وذلك إما بالقراءة والبحث أو عن طريق تلقي دروس خاصة. وذلك لأحقق حلمي بالتأليف الموسيقي حيث قمت بتدوين الأفكار الموسيقية التي تراودني في دفتر نوتة موسيقية للعودة إليها لاحقاً. وبعد تخرجي ومع تجربتي كعازف عملت على التوزيع والتدوين الموسيقي لبعض الأعمال التي أود تقديمها بواسطة الحاسب ولقد مكنتني هذه التجارب في إعادة التدوين والتوزيع من الغوص في طريق التأليف. وكان لمقطوعة توسل: الفضل في توجهي الموسيقي حيث أيقظت بداخلي جذوة التأليف.
ما هي أول مقطوعة موسيقية عزفتها أمام الجمهور؟
- من المتعارف عليه في المعهد الموسيقي تقديم حفلات موسيقية صباحية للطلبة أمام المدرسين وأولياء الأمور في السنة الثانية من مرحلة الدبلوم (الثانوية الموسيقية)، وكانت مدرستي آنذاك الدكتورة أماني عبده سليمان قد أكدت لي أنني في مستوى يؤهلني للوقوف أمام الجمهور، وكان علي أن أقدم برنامجاً مكوناً من عملين، وفقت في واحد أما الثاني فقد وجدت نفسي منطلقاً في العزف وبعد إدراكي بأنني أعزف شيئاً آخر، توقفت عن العزف واعتذرت للحضور.
ومتى تمكنت من تأليف أول مقطوعة موسيقية؟
- أول مقطوعة قمت بتأليفها في السنة الثالثة للدبلوم تقريباً كانت لآلتي فلوت وكانت في مقام الحجاز وقدمتها لأستاذتي الدكتورة أماني التي شاركتني عزفها.
قادتك الصدفة للعمل مع أوركسترا اليونسكو في باريس، فما الذي أضافته لك تلك التجربة؟
- في عام 2005 عملت كرئيس لقسم الموسيقى والفنون الشعبية بوزارة الإعلام في قطاع الثقافة والتراث الوطني (آنذاك) تحت إشراف الفنان أحمد الجميري الذي كان مسؤولاً مباشراً عني وكان من مهماتي ترتيب القسم وأرشفة وثائقه، ولقد وقعت يدي على دعوة موجهة للوزارة من قبل اليونسكو لترشيح موسيقيين للمشاركة في احتفال عالمي يقام بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، خلال مشاركتي التقيت بعدد من الموسيقيين من 40 دولة تقريباً وقدمنا تجربة فريدة من خلال عدد من الأعمال الموسيقية المشتركة والمستلهمة من تراث جميع الدول المشاركة، كما شاركت في برنامج من تنظيم المجلس الثقافي البريطاني عنوانه (نكهات موسيقية ورمال متحركة) وهو مشروع يجمع بين عدد من الموسيقيين من دول الخليج وموسيقيين من بريطانيا، بهدف العمل على تقديم أعمال مشتركة مستلهمة من تراث تلك البلدان.
طوعت آلة الفلوت لعزف مقامات عربية صعبة كمقام (سماعي)، كما في لحنك (نحو الحرية)، كيف تصف علاقتك بآلة الفلوت؟ وهل يصعب على الآلات غير العربية أن تؤدي ألحاننا العربية والمقامات؟
- هناك عدد من المقامات العربية الخالية من الأبعاد الشرقية (أو كما يطلق عليها مجازاً الربع تون)، ولقد بحثت عن تلك المقامات لأثبت بأنه يمكن للعازفين على الآلات الغربية أن يقدموها بكل أريحية، فيبرز من خلال ذلك جماليات المقامات العربية، ولعل عملي (سماعي غانم) بعنوان (باتجاه الحرية) يختصر رؤيتي الموسيقية، إذ ألفت هذا العمل في قالب سماعي واخترت مقاماً فريداً من نوعه بالنسبة للموسيقى الغربية وهو مقام (صبا زمزمة) الذي بالإضافة إلى عذوبته وحزنه الداخلي فليس معروفاً في الموسيقى الغربية حيث يبدأ بدرجة مختلفة عن التي ينتهي بها. كما أنني عملت على توظيف عدد من المقامات العربية الأخرى داخل العمل.
للمرأة دور مؤثر في حياة الموسيقي. وكنت قد أعددت حفلاً موسيقياً عنوانه (المرأة نبع الألحان)، لتسجل الاعتراف بالدور الذي تلعبه المرأة في حياة الموسيقي؟
- قررت مع العازفة الأمريكية دانا سميث تقديم حفل بمناسبة يوم المرأة العالمي فعملت على ترتيب برنامج كلاسيكي من تأليف رجال استلهموها من النساء أو أخرى من تأليف نساء وكان هذا مجهوداً مضاعفاً حيث إن النساء المؤلفات قلة في المجتمع الموسيقي الغربي أيضاً.
في الفترة الأخيرة، انتشرت الأجهزة الموسيقية الإلكترونية بشكل واسع، وقام كثيرون بالاستعاضة بها عن الآلات الموسيقية التقليدية، ربما لأنها أقل كلفة في الوقت والمال، لكن هل يمكنها أن تؤدي نفس الغرض وبنفس الكفاءة؟
- لا يمكن للآلات الإلكترونية أن تحقق النتيجة التي تحققها الآلات التقليدية ولكن علينا أن ندرك أن التطور الحاصل الآن في المكتبات الموسيقية مع توافر المنفذ والمهندس ذوي الكفاءة يمكن إنتاج أعمال موسيقية ذات جودة عالية، والاستعاضة بهذه الآلات، بسبب قلة الموارد للمؤلف الموسيقي فلا بد لنا أن نقبل بذلك لأن المؤلف الموسيقي إن لم يفعل ذلك فلن تظهر أعماله للنور.
تجربتك مع أحد الموسيقيين الرقميين المدمجة مع عزف الفلوت، بعنوان (أحلام ملونة)، كيف جاءت أصداؤها؟ وما مدى تقبل الجمهور لها؟
- التجربة كانت مع الفنان نادر بدعوة من مؤسس مركز مشق للفنون الفنان التشكيلي علي البزاز لتقديم حفل موسيقي هناك وهنا طرحت الفكرة على نادر الذي رحب بالفكرة ولكن كان هناك عائق يقف أمامنا وهو أن أسلوبي في العزف يختلف مع نادر الذي يعتمد على التسجيل الإلكتروني المسبق للأعمال الموسيقية ودمجها في أثناء الأداء بعزف حي، ومن هنا قمت باختيار مجموعة من أعمالي الموسيقية وأعددتها بصيغة (ميدي) وهي لغة الموسيقى الإلكترونية وأضاف نادر لمساته في اختيار الأصوات ثم تحديد مجموعة من أعماله لتتكون من ذلك سلسلة موسيقية تدمج بين موسيقاي وموسيقى نادر. وشجعني تفاعل الجمهور على إطلاق أول عمل (منفرد) لي على منصات الصوتيات المختلفة هو (لا ترحل).
يتضح حرصك على تقديم موسيقى ألفها الفنان البحريني الراحل (مجيد مرهون)، فما الذي يربط بينك وبين فنّه وموسيقاه؟
- بدأت علاقتي بمجيد مرهون مع تقديمي أول عمل صولو فلوت من تأليفه عام 1991م ولقد كنت أزوره في المكتبة الموسيقية التي كان يعمل بها، لقد كان المؤلف الموسيقي البحريني الوحيد الذي لديه مؤلفات استطعت أن أقدمها في حفلاتي، ولقد كان يتقبل ما أقترحه عليه من إضافات إلى أعماله، بل إنه كان يؤلف أعمالاً موسيقية خاصة ببعض حفلات الموسيقى مثلما حصل في حفل (ذكريات دلمونية).
أقمت دورات صيفية لتعليم العزف على الفلوت والبيانو مع النوتة ونظرية الموسيقى، كيف وجدت التفاعل مع هذه الدورات؟ وما نتج عنها؟
- مازلت أقدم دورات موسيقية منفردة وطلبتي من الأعمار المختلفة بعضهم لديه اهتمام بالحصول على شهادات من الكلية الملكية للموسيقى ومقرها إنجلترا، بينما يفضل آخرون أن يتعلموا العزف حتى مستوى معين.