الحياة حركة وإنجاز، الماء العذب يجب أن يكون جارياً رقراقاً، الشجرة المثمرة تورق وتنمو.. (هل رأيتم شجرة عجفاء مثمرة؟). هناك رجال يورقون ويثمرون أينما ذهبوا، لا يهمهم حجم المنصب أو حجم العمل، هم من يحدد حجم ذلك العمل، البذرة على أيديهم تصبح دوحة مثمرة يستظل بظلالها الكثير، وثمراتها متاحة للجميع. بهذا العدد، يروي الدكتور عثمان الصيني مساحات أخرى في هذا الوطن، يضع نفسه في تحد جديد وهذا ليس غريباً عليه. من يعرف الدكتور عثمان يجد أنه رجل متعدد القدرات، يعشق التحدي ولا يؤمن بالتوقف، يرى أن ما يصل إليه ما هو إلا محطة إلى هدف آخر (قد يراه الآخرون بعيداً)، لا يتوانى عن الدخول في تجارب جديدة، لا يؤمن بالمراحل؛ فهو على استعداد لحرق جميع المراحل لإنجاز ما يريده، يعرف تماماً ماذا يريد وكيف يصل إلى ما يريده.
عندما تولى أمر (المجلة العربية) قبل ست سنوات، وضع هدفاً بعيداً، ظن الجميع أنه حلم بعيد المنال. ولم تمضِ سنتان إلا وحقق ما كان يراه الآخرون بعيداً.
كان يقول لي إذا وصل عدد إصدارات سلاسل الكتب إلى 100 كتاب، سوف أكون جاهزاً للرحيل عن المجلة لأني حققت هدفي.. ولكن حتى في هذه استطاع أن يكسر حلمه وأن يتجاوزه. فعدد الكتب قد تجاوز 170 كتاباً.. تجاوز حتى نفسه. عندما جاء إلى المجلة، وضع الجميع أمام تحد ضخم، حرر العدد كاملاً بمفرده، وأخرجه بمعرفته خارج أسوار المجلة وطبعه، وجهاز التحرير آنذاك يظنون أن العدد لن يصدر غير أنهم فوجئوا بأن العدد على مكاتبهم في أول الشهر كالعادة، بحلة جديدة وتصور جديد.. قال كلمته بمنتهى الوضوح وبأقل الكلمات.. (هذا ما أريده). أن تعمل معه يعني أن تمارس الركض.. لا يريد أن يراك خلفه.. يريدك بجانبه وهذا ما كان صعباً على الكثيرين.
أصبحت المجلة مؤسسة ثقافية ومعرفية. سلاسل الكتب غطت جميع مجالات المعرفة لجميع فئات المجتمع. اهتم بالطفل وكتب الطفل اهتماماً كبيراً (لمن لا يعرفه.. داخله طفل كبير)، كان حريصاً على الذهاب إلى معرض بولونيا في إيطاليا وهو أكبر معرض كتاب للأطفال في العالم. (آخر إنجازاته تدشين سلاسل الثقافة العلمية- ثقافتك).
ماذا بعد، هذه الكلمات لا توفي الرجل حقه، فما صنعه سوف يظل أمداً طويلاً وعلامة فارقة في جسد الثقافة السعودية خصوصاً والعربية بشكل عام.
وهنا وجه الصعوبة، ليس سهلاً أن تعقبه، ذلك يضعك في تحد كبير، فهو على البعد يدفعك إلى الإبداع، يجب أن تكون ذا إيقاع سريع لكي تحافظ على ما بناه..
وهذا ما تعاهدنا عليه في المجلة (كتّاباً ومحررين). سوف تكون المجلة وكتبها الفتى اليافع الذي يكبر لكي يفتخر به والده.. لن نتوقف.
تحياتنا إلى الدكتور عثمان، وهنيئاً لجريدة (مكة).. ونتمنى لهما التوفيق والنجاح ونحن هنا لا نقول وداعاً للدكتور عثمان، فهو سيظل معنا.. بإنجازاته وأعماله، ولكنها كلمة شكر وكلمة حق نقولها إلى الرجل المؤسسة الدكتور عثمان الصيني.