مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

هل لدينا إستراتيجية للثقافة؟

 تتنازع النشاط الثقافي في المملكة جهات عدة؛ كالأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون، ومهرجان الجنادرية، والجامعات وكذلك دارة الملك عبدالعزيز بجهودها المتميزة ذات الطابع الأرشيفي والتوثيقي، وأخيراً مركز الحوار الوطني الذي بدأ يناقش موضوعات ثقافية ليست من صميم اختصاصه بعد أن عجز (في ظني) عن تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها.
 معنى ذلك أن هناك أكثر من وزارة مسؤولة عن النشاط الثقافي مثل وزارة الثقافة والإعلام ووزارة الحرس الوطني ووزارة التعليم العالي ولا ننسى أيضاً وزارة التربية والتعليم، والرئاسة العامة لرعاية الشباب وما يتبعهما من دور في هذا المجال.
 ولا مشاحة في أن تتعدد مصادر الإنفاق على الثقافة وتتعدد منابرها وإن كان هناك بعض الازدواجية والتكرار غير المبرر ما يعني في النهاية هدراً مالياً، يستلزم التنسيق بين هذه الجهات بطريقة أو بأخرى، ولكن هذه ليست المشكلة الكبرى هنا.
 المشكلة الأساسية هي عدم وجود إستراتيجية للثقافة في بلد بمساحة المملكة، وحجم إمكانياتها البشرية والمادية. كيف يمكن تصور بلد كالمملكة يخلو من مشروع ثقافي؟ إنني أعني بالإستراتيجية -ببساطة- وجود خطة خمسية أو عشرية أو غيرها ذات رؤية واضحة للثقافة في المملكة، بأهداف وخطوات محددة لتحقيقها، حتى لا تظل الأمور كما هي الآن مجرد اجتهادات فردية نعاني الآن من نتائجها المحبطة في كل مشاريعنا الثقافية.
 لا أدري عن وزارة التخطيط ودورها في هذا المجال، ولكني علمت أن وزارة الثقافة والإعلام -وهي المسؤولة الأولى عن الشأن الثقافي- انتهت من وضع خطة إستراتيجية للثقافة، ننتظر وضعها موضع التنفيذ، لعل فيها كل ما يطمح إليه المثقفون من اهتمام بالثقافة بوضع سياسة لها بأهداف واضحة، تجعلها مشروعاً تنموياً شاملاً وفاعلاً؛ فالثقافة ينبغي أن تكون هدفاً إستراتيجياً رئيساً في مشاريع المملكة، واستثماراً أساسياً في الفرد والمجتمع، لا تتحقق هوية البلاد ومستقبلها بين الشعوب إلا به.
إن عدم وجود إستراتيجية يعني أن مشاريعنا الثقافية تخضع للعشوائية، ولأهواء وأمزجة بعض الذين لا تشكل الثقافة هماً لديهم، ولا يعنيهم من أمرها شيء، والذين هم يملكون مع الأسف مفاتيح الأمور والقرارات المؤثرة وخصوصاً مالياً.
 سأشير هنا بإيجاز لما تواجهه جمعية الثقافة والفنون هذه الأيام من عجز مالي ربما يحملها على إقفال بعض فروعها، وتقليص أو إلغاء للكثير من أنشطتها إن لم يتم تدارك الأمر حالاً. هذه المؤسسة الثقافية التي أنيط بها إدارة خمسة عشر فرعاً في مدن المملكة، واحتضان المواهب والناشئة وتنمية قدراتهم في الفنون المختلفة كاستثمار حقيقي ومستقبلي للوطن، قد لا تستطيع مواصلة تنفيذ مشاريعها بسبب عدم وضوح الرؤية لدى بعض المسؤولين عن أهمية الدور الذي تقوم به وما يتطلبه ذلك الدور من إنفاق مالي وتوظيف بشري.
 لعل هناك مؤسسات ثقافية أخرى تواجه ما تواجهه جمعية الثقافة والفنون من عقبات وعراقيل مالية وإدارية للأسباب التي ذكرت، أضف إلى ذلك الوصاية التي يفرضها بعض أفراد الفئات المنغلقة فكرياً على الأنشطة الثقافية ونوعها، في الوقت الذي يوجه فيه المجتمع اللوم لهذه المؤسسات ويصفها بالتقصير.
في وطن كالمملكة لا تستقيم أمور الثقافة دون مشروع ثقافي واضح ودون مرجعية ذات استقلال مالي وإداري تقوم بالإشراف عليه وتنفيذه، ترسم مستقبل الثقافة في بلادنا، وتحميها من عبث العابثين.
ذو صلة