تحولات واسعة على مستوى الخطاب الثقافي شهدها المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي تحمل عبء الإشراف عليه منذ عام 1405هـ وحتى اليوم قطاع الحرس الوطني.
فالمهرجان الذي جاء امتداداً لسباقات الهجن التي كانت تشهدها منطقة الجنادرية الصحراوية شمال العاصمة السعودية الرياض منذ العام 1387هـ، تمكن خلال سنوات قليلة من الخروج من محوره الرئيس في دوراته الأولى عن (الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في الوطن العربي) ليضع نفسه كأحد أهم المنابر الثقافية التي تطرح وتناقش القضايا الفكرية المعاصرة.
تجلت تلك التحولات الثقافية من خلال انتهاج المهرجان لعقد الندوات العامة التي أتاحت الفرصة لتقديم عناوين تلامس هموم الشارع السعودي وكذلك تنفيذ جملة من المحاضرات والأمسيات الأدبية والشعرية خارج إطار الموروث.
كان المهرجان الوطني قد اختار في دوراته الخمس الأولى محور (الموروث الشعبي وعلاقته بالإبداع الفني والفكري في الوطن العربي) واستحوذ ذلك العنوان على اهتمام الأدباء والمفكرين حيث دارت ندوات المهرجان ومحاضراته وحتى أمسياته الأدبية والشعرية حوله، وانبرى الأدباء يناقشون قضايا التراث وعلاقة الماضي بالحاضر.
ومن بين فعاليات تلك المرحلة على سبيل المثال: ندوة (الأدب الشعبي والأدب الفصيح)، وندوة (نظرات في الأدب السعودي)، وندوة (القصة القصيرة في الجزيرة العربية.. بداياتها وتطورها)، وكذلك ندوة (التنمية الثقافية في الخطة الخمسية الرابعة)، وندوة (عهد المسرح الخليجي).
واعتمد المهرجان الوطني بنسخته الثالثة وحتى التاسعة عدداً من العناوين لمواصلة ذلك المحور وهي (الندوة الثقافية الكبرى) والتي كان من ندواتها على سبيل المثال: (أهمية الموروث الشعبي في الأعمال الإبداعية)، (الموروث الشعبي في الفنون الاحتفالية.. الفكاهة والمسرح والموسيقى والرقص) إضافة للتراث التقليدي لملابس النساء في نجد.
قضايا الأمة
منذ الدورة التاسعة عام 1414هـ وإلى دورته الخامسة والعشرين؛ انتهج المهرجان الوطني في نشاطه الثقافي خططاً جديدة تبلورت في اقترابه إلى جانب اهتمامه بإحياء التراث أكثر من مناقشة الواقع العربي عموماً، وإبراز القضايا الإسلامية التي تنعكس أسبابها ونتائجها بصورة أو بأخرى على واقع العرب والمسلمين، ومستقبلهم الاجتماعي والحضاري.
ووجد مهرجان الجنادرية نفسه -مقابل التحديات التي باتت تواجه الأمة بلبوس استعمار فكري يختلف عن سابقه العسكري، تحركه الدعاية الغربية التي باتت تطرح مقولات مجحفة بحق الإسلام والمسلمين من قبيل (الخطر الإسلامي القادم)- أمام مسؤولية كبرى دفعته لأن يطرح عدداً من الندوات والمحاضرات التي تعالج وتتصدى لمثل تلك الإشكالات السياسية والفكرية.
وأقام المهرجان حينها عدداً من الندوات بينها ندوة (الوطن العربي في خضم التحولات السياسية)، (مسؤولية الإعلام في تأكيد هويتنا الثقافية)، (مفهوم الشورى في الإسلام)، (برنامج الدراسات الإسلامية والعربية في الجامعات الأمريكية) وغيرها.
توجه عالمي
لم يتوقف المهرجان أمام محيطه العربي والإسلامي وكان بذات القدر الذي يسعى فيه لتحقيق أهدافه الرئيسة يتجه لتقديم خطاب مواكب للمتغيرات والتحولات التي يشهدها العالم حوله خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين، الاشتراكي والرأسمالي، وتحول العالم إلى دولة القطب الواحد وعاد التنافس التقليدي الجديد بين الدول القومية، وبات العالم يشهد بروز عدد من الأيديولوجيات الفكرية، حيث دفعت تلك العوامل المفكرين وصناع القرار السياسي في العالم لمراجعة مواقفهم، وبات العالم يعيش تحت وطأة ما يسمى بـ(الصراع الحضاري) وبرزت مصطلحات مثل التحدي، والصراع الحضاري الأيديولوجي وغيرها.
سعى المهرجان في سبيل تحقيق مزيد من الحضور الدولي إلى استنهاض كبار الأدباء والإعلاميين والمثقفين من بلدان العالم الخارجي إضافة إلى كبار الأدباء والمثقفين من الوطن والبلدان العربية والإسلامية، وتجلى ذلك في استضافة عدد من الأسماء وطرح عدد من المحاور التي تناقش قضايا سياسية وفكرية وإقليمية عادة ما تكون مواكبة لما تشهدها الساحلة الإقليمية والدولية.
وبات المهرجان يقدم في تلك المرحلة عناوين من قبيل (الإسلام والغرب.. الجذور التاريخية)، (الخطر الإسلامي على الغرب.. بين الحقيقة والوهم)، (الموقف الإسلامي من الغرب.. رؤية معاصرة)، (التجربة السعودية في خدمة الإسلام)، (الإسلام والشرق)، (الأسس المعرفية والفلسفية للإسلام والفكر الديني في الشرق).
واقترب المهرجان من محيطه الإقليمي حيث قدم عدداً من العناوين التي تناقش قضايا الإسلام والعروبة بينها (الحوار العربي العربي) و(الحوار الإسلامي الإسلامي) وقد ترتب على هذه النشاطات والمحاور على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية أن يبعث الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والسيدة زوجته هيلاري كلينتون رسائل يثنون فيها على المهرجان الوطني ومحاوره المتنوعة.
ومن بين الشخصيات التي استضافها المهرجان: مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني، الدكتور صموئيل هنتغتون، الدكتور جون اسبزيتو، الشيخ إبراهيم جوب، الدكتور حامد نشوي يونغ كيل، الدكتور خورشيد أحمد، المخرج مصطفى العقاد، محمد عابد الجابري، الشيخ محفوظ نحناح، الدكتور رضوان السيد، الدكتور فيتالي نعومكين، الدكتور مراد هوفمان، يفجيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا، هلموت فيشر وزير خارجية ألمانيا، الدكتور كمال الدين إحسان أوغلو، الدكتور محمد جابر الأنصاري، الشيخ محمد علي تسخيري، المستشار طارق البشري... وغيرهم كثير من أدباء ومفكرين ورجال إعلام من داخل الوطن ومن البلاد العربية والإسلامية ومن بلدان العالم الخارجي.
واصل النشاط الثقافي مسيرته في هذه الدورات المتتالية وقدم ندوات عالجت كثيراً من القضايا بينها (التطرف والغلو.. الأسباب والعلاج)، (الجهاد والسلام في الإسلام)، (الفضائيات العربية بين النقد والتقويم)، (واقع الأمة: نماذج مقارنة.. الاتحاد الأوروبي أنموذجاً)، (أزمة الخطاب العربي)، (تاريخ وتوقعات المخاطر الطبيعية في المملكة)، (مناخ الاستثمار في المملكة العربية السعودية)، (العالم وثقافة الكراهية.. حول التعصب والهيمنة وصراع الثقافات)، (المعرفة والتنمية).
وتبنى المهرجان لعدة سنوات متواصلة محور (وسطية الإسلام) والذي حاول فيه أن يقيم حواراً بين نشاطاته والجاليات الإسلامية وغيرها في المملكة العربية السعودية.
استضافة دول صديقة
ابتداء من دورة المهرجان الـ23 التي انطلقت بتاريخ 27/2/1429هـ جاء التوجيه باستضافة إحدى الدول الشقيقة أو الصديقة للمشاركة في نشاطات المهرجان الوطني وفعالياته، وفي تلك الدورة استضاف المهرجان جمهورية تركيا الشقيقة، وتواصلت الدعوات لكل من روسيا، فرنسا، اليابان، كوريا الجنوبية، وينتظر أن يستضيف في دورته الـ28 هذا العام جمهورية الصين الشعبية.
واتخذ المهرجان الوطني منذ الدورة الـ25 وحتى تاريخه أسلوباً مغايراً في طرح نشاطه الثقافي يدور حول محاور ثقافية وفكرية متنوعة من قبيل: رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار والسلام وقبول الآخر، وقدم (محور العرب والقوى الإقليمية.. أي مستقبل) ومحور (المثقف العربي والمتغيرات السياسية)، و(الإعلام التفاعلي والشباب والمتغيرات) وقدم عدداً من الورش في هذا السياق.
وبدا المهرجان أكثر مواكبة في تقديم محاوره وبات يتناول قضايا من قبيل (الغرب والإسلام فوبيا)، و(مجتمع المعلوماتية واقتصاد المعرفة)، وكذلك (العلاقات الدولية والسياسية الخارجية للمملكة)، و(التجديد في الخطاب الديني والوطني حول المرأة)، (شهادات وتجارب نسائية)، (حركات الإسلام السياسي)، (الثابت والمتحول.. الرؤية والخطاب)، (التنوير في الوطن العربي وإخفاق النهضة)، (السعودية والتوازن الدولي: الإسلام، الطاقة، السلام).
(سويس) الأمس.. جنادرية اليوم
الجنادرية كما وصفها الأديب الراحل عبدالله بن خميس -يرحمه الله- هي اسم لروضة تقع إلى الشمال من مدينة الرياض، وهي مصب لعدة أودية، وهي روضة ممتدة ومنقسمة إلى عدة أقسام، منها: الروضة الشمالية والوسطى والجنوبية، وكانت قديماً تسمى روضة (سويس)، وقد ذكرها مجموعة من المؤلفين الذين كتبوا عن المنازل والديار في اليمامة، وهي روضة منبتة تنبت الثقل والحنوة والكرش والحرب والحوذان، وغيرها من النباتات الروضية.
وكانت (سويس) كذلك متنزها لسكان مدينة الرياض، وكانوا يخرجون إليها وقت الربيع، وكان الطريق الذي يبدأ من العاصمة ويمر بالوديان التي تسيل فيها يمر بروضة الجنادرية ويخرج على الرقة ويعتبر هذا طريقاً إلى البصرة.
الجنادرية محطات
- 21/1/1405هـ صدر المرسوم الكريم من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –رحمه الله- في وقت مبكر بإقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالرقم 904.
- انعقدت دورة المهرجان الوطني الأول في 2/7/1405هـ الموافق13/7/1985م في القرية الشعبية بأرض الجنادرية.
- في الدورة الخامسة دعا المهرجان إلى عقد لجنة المشورة الثقافية والتي تم اختيارها من أدباء ومفكرين وإعلاميين على كافة خارطة الوطن، ليلتقوا في الرياض على مدى ثلاثة أيام يتباحثون في خطط النشاط الثقافي.
- عام 1415هـ جاء التوجيه الكريم في الدورة العاشرة باختيار أحد الرموز الثقافية للتكريم من يدي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –رحمه الله- بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
- ابتداء من دورة المهرجان الـ23 جاء التوجيه الكريم باستضافة إحدى الدول الشقيقة، وتواصلت الدعوات كل من: روسيا، فرنسا، اليابان، كوريا الجنوبية، ويستضيف في هذه الدورة جمهورية الصين الشعبية.
- ابتداء من الدورة الـ25 فتح المهرجان قاعاته الثقافية لمشاركة المرأة إلى جانب شقيقها الرجل، وانتهج المهرجان أسلوب توزيع نشاطه الثقافي في أكثر من مكان خارج الرياض؛ فعقد عدة ندوات في كل من: الدمام، الهفوف، جدة، مكة المكرمة، أبها.