بصوته المبحوح يتصل عبر الهاتف ليسأل عن موضوع أو كتاب.. أو يعاتب لابتعادنا عنه لظروف العمل.. ويبقى إبراهيم الناصر الحميدان -يرحمه الله- صديقاً للجميع.. عندما التقيته أول مرة.. وذلك في سنواتي الأولى بعد انتقالي من الطائف إلى الرياض.. كنت متخوفاً من اللقاء.. فهذا الرجل صاحب المسيرة الطويلة في الإبداع؛ هل سيحتفي بشاب له تجاربه الأولى في الإبداع؟! كان اللقاء في معرض للفن التشكيلي أقيم في صالة الفنون التشكيلية بمعهد العاصمة النموذجي.. وكنت بصحبة الصديق المشترك خالد اليوسف، ومنذ ذلك الوقت عرفت ذلك الرجل.. بسيطاً محباً للجميع.. لا يكن عداوات لأحد.. يقدر الإبداع.. ويسعد بكل مبدع جديد. منذ سنوات صدرت له رواية (الغجرية والثعبان) عن دار الهلال.. وأدرجت ضمن مطبوعات الشركة وليس ضمن سلسلة روايات الهلال الأكثر انتشاراً.. كنا مستائين من عدم إدراجها بالسلسلة، وقررنا أن نتواصل مع الشركة لإعادة نشرها.. ولكن بحكمته.. وخبرته الحياتية.. إضافة إلى عدم رغبته في الدخول في صراعات قد لا يستفيد منها؛ أنهى الموضوع واستمر مبدعاً متألقاً.
التقينا كثيراً في نادي القصة.. وبعد ذلك حرصت على لقائه في مناسبات مختلفة.. وقد كان بصحبته في الفترة الأخيرة الصديق أحمد الدويحي.. حيث كان حريصاً على حضور الفعاليات الثقافية المختلفة، والكتابة والنشر حتى أيامه الأخر عندما داهم جسده الكبر والمرض.
إبراهيم الناصر الحميدان واحد من مؤسسي الرواية السعودية، وأحد أهم رموزها منذ كتب في مطلع الستينيات. قُدمت حول أدبه كثير من الدراسات والبحوث ربما أشهرها دراسة ناصر الجاسم لنيل درجة الماجستير، وتم تكريمه في كثير من المحافل والمؤسسات مثل الرئاسة العامة لرعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون، وحصل على جائزة المفتاحة، للتنشيط السياحي في أبها، ودرع الريادة من المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين عن كتابة القصة والرواية، وشهادة تقدير من اللجة العليا للتنشيط السياحي في الطائف، وتكريم من الأندية الأدبية في كل من جدة وأبها.
وإبراهيم الناصر الحميدان يكتب القصة والرواية والمقالة الأدبية والاجتماعية، وفي مجال الدراما كتب ثلاثة مسلسلات تلفزيونية، وعدداً من السباعيات والتمثيليات الإذاعية.
وقد أثرى المكتبة السعودية بعدد حافل من الإصدارات, بالذات في مجال القصة والرواية, فقد كان من روادها والسباقين في النشر. حيث صدرت له المجموعة القصصية (أمهاتنا والنضال 1380هـ)، ورواية (ثقب في رداء الليل) والمجموعة القصصية (أرض بلا مطر)، ورواية سفينة الموتى، ونشرت في طبعة ثانية تحت عنوان (سفينة الضياع), فمجموعة (غدير البنات القصصية)، ورواية عذراء المنفى، ورواية غيوم الخريف, والمجموعة القصصية عيون القطط، ورواية رعشة الظل، والمجموعة القصصية (نجمتان للمساء)، ورواية (دم البراءة) ورواية الغجرية والثعبان. واختتم إصداراته بنشر سيرته الذاتية.
يتميز إبراهيم الناصر الحميدان.. ومن خلال تجربته الطويلة في النشر.. بالمزاوجة بين القصة القصيرة والرواية، وكانت مواضيع أعماله الإبداعية تناقش كثيراً من القضايا، المختلفة؛ ربما صقلتها تجربته الحياتية الطويلة التي اجتمع فيها البحر بالصحراء والقرية بالمدينة، فقد كانت ولادته في مدينة الزبير، ليودع الدنيا في مدينة الرياض بعد عمر ناهز الثمانين.