مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

العلوم الحديثة: اكتشاف للذات أم للكون

كعادة المجتمعات في أي جديد تكون هناك ردود فعل متباينة حوله. والعلوم كما يسميها البعض (الزائفة) واستخداماتها في الكشف عن الذات أو تطويرها أو التنبؤ بالمستقبل؛ هناك من يراها علوم يجب تعلمها والاستفادة منها, وثمة من يرى أنها تدخل في إطار التنجيم والدجل.
يقول الباحث الفلكي سلمان آل رمضان: لايزال هناك من يخلط بين علم الفلك، والذي مجاله دراسة نشأة وحركة مستقبل الأجرام السماوية خارج الغلاف الجوي، والتنجيم الذي هو ليس بعلم وإنما صناعة يقتات منها الدجالون ليوهموا المرضى بمعرفة المستقبل من خلال حركة الفلك، وهم بعيدون كل البعد عن التطور الهائل الذي بلغه علم الفلك، فيما قواعد المنجمين هي هي لم تتغير منذ آلاف السنين.
ففي الوقت الذي يجرون حساباتهم على أساس بداية الربيع عندما تحل الشمس في برج الحمل في 21 مارس ففي هذا الوقت تكون الشمس في برج الحوت بسبب مباكرة الاعتدالين الناتج عن الحركة الاهتزازية للأرض. ولكي نفهم التغيير علينا معرفة ما هي البروج.
صنفت التجمعات النجمية في السماء إلى 88 مجموعة، تسمى كوكبات، أو بروج، وإن كانت تسمية البروج، تشير أكثر نحو المسار الذي تقطعه الشمس والمجموعة الشمسية، وهي البروج الاثنا عشر المتداولة بين الناس، والكوكبات، أو البروج هي مجموعة من النجوم تخيلها الأقدمون على هيئة إنسان، أو حيوان، أو آلة، وكان ذلك عند تحديد الكوكبات على أنها 48 فقط، قبل أن يتوسع الإنسان في اكتشاف الكرة الأرضية ويصل لمناطق لم تكن معروفة من قبل، ومشاهدته لنجوم جديدة، وبالتالي تخيل أشكالاً جديدة ومعاصرة.
وتحديد منطقة البروج هذه ليست حديثة، بل إنها معروفة منذ آلاف السنين. وتاريخياً، ومن خلال ما ذكره علماء الآثار، لم يكن هناك حديث سوى عن ستة بروج فقط، وهي الثور، والجوزاء، والأسد، والعقرب، والجدي، والدلو، ولعل هذا يفسر، سبب وجود أسماء نجوم تقع في بروج وتشير لبروج أخرى، كذراع الأسد في برج التوأمين، ولقد كانت كوكبتا الثور والعقرب أول تلك المجموعات التي عرفها الإنسان لتشابه تكوين نجومها مع الكل المشار إليه، وفي سنة 3000 ق.م كان الربيع يبدأ عندما تحل الشمس ببرج الثور، والخريف في برج العقرب، لكن الأمر تغير تقريباً في 1000 ق. م، حيث تحولت نقطتا الاعتدالين لموضعين جديدين في منطقة البروج، وتبع ذلك أماكن بقية البروج، حيث تتحرك كل كوكبة (برج) ما يعادل برجاً واحداً كل ألفي سنة، لتعود لنفس النقطة بعد قرابة 26 ألف سنة، بسبب ترنح محور دوران الأرض حول نفسها، والذي يرسم في هذه الفترة مخروطاً نصف زاوية رأسه 23 درجة ونصف تقريباً.
وقبل ألف سنة أصبح الربيع يدخل، والشمس في أواخر الثور، وهنا من المحتمل أن يكون قد بدأ برج الحمل، وهذا ما عليه قدماء اليونانيين، وظل هذا الأمر معمولاً به حتى اليوم، رغم أن الربيع يبدأ اليوم والشمس في برج الحوت لا الحمل.
ومما لازال معمولاً به هو حساب البروج كمناطق متساوية، مدتها ثلاثون يوماً، حيث تتحرك الشمس درجة واحدة يومياً.
هنا يبقى التساؤل حول كيفية ربط مصير الإنسان المعاصر بالأجرام السماوية وموضعها من البروج على أساس مكانها قبل 2000 عام، وإهمال كل تلك المتغيرات والتي على أساها ومن خلال الميكانيكا السماوية يتم إرسال المسابير والمركبات الفضائية وإطلاق الأقمار الاصطناعية في مدارات محددة من خلال هذه التغيرات المسجلة حديثاً دون هامش خطأ يذكر؟.
يقول الباحث والكاتب منصور السني: منذ سنوات متأخرة ظهرت عدة علوم جديدة، وطرحت في الكتب والمكتبات، وطرحت كذلك كدورات تدريبية ومحاضرات، ومن هذه العلوم (علم البرمجة اللغوية العصبية, وعلم الطاقة, وعلم التنجيم, والتخطيط الإستراتيجي على مستوى الفرد والمؤسسة, وعلم الحرية النفسية -الذي هو قريب من علم الطاقة أو جزء منه– وغيرها من العلوم). وبما أن هذه العلوم جديدة وكالعادة المجتمع والناس اختلفوا فيها بين مؤيد ورافض، وبين من يقول إنها جيدة ومقبولة، وبين من أخرجها عن الدين، وبين من قال عنها إنها شعوذة وسحر وقام بمحاربتها ومحاربة من يقول بها.
ويتابع: فأخذت هذه الدورات واطلعت عليها عن قرب، وعرفت أن هذه العلوم فيها الكثير من الفائدة لمن طبق وأتقن، واستمر في التطبيق، ولكن وللأسف مجتمعنا قليل المطبقون فيه، وهؤلاء القلة غالباً لا يستمرون، ولهذا يقول الكثير من الناس الذين دخلوا هذه الدورات ودفعوا الكثير من الأموال: إنه لا فائدة فيها.
ولكن أنا أتحدث عن نفسي: استفدت الكثير والكثير من هذه العلوم على مستوى حياتي الفردية والاجتماعية والوظيفية، وعلى مستوى تخصصي التربوي في التدريب والكتابة والتطبيق التربوي، درست هذه العلوم وحاولت تطبيقها مع الأطفال، فوجدت فعلاً أنها نافعة، فأخذت منها ما هو صالح لتخصصي التربوي، فعلى سبيل المثال لا الحصر استفدت من هذه العلوم في كيفية التعامل مع نفسي والسيطرة عليها، فأعرف كيف أسيطر على غضبي وانفعالاتي، وكيف أخرج نفسي من الألم والهم والحزن، وكيف أعيش مع نفسي برضا وقناعة، وكيف أعيش الطموح والنجاح والتألق، وتعلمت من هذه العلوم كيف أكسب الآخرين، وكيف أتعامل معهم وكيف أمتص غضبهم وكيف أستمع لهم وهكذا، وما أجمل أن تتعرف على عالم الطفل وصفاته ومميزاته وكيفية التعامل معه عن طريق هذه العلوم.
ويضيف: الجميل وما أعجبني أكثر بعد بحثي واطلاعي على هذه العلوم؛ اكتشفت أنها كلها ليست بجديدة اكتشفها الغرب كما يقال عنها، بل قديمة وتحدث عنها القرآن الكريم والنبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم قبل 1400 سنة، ولكن جاء الغرب بإعادة تأطيرها وترتيبها بأسلوب جميل، ومبوب مع تغيير الاسم إلى اسم جميل وبارز وملفت للنظر.
وتقول المدربة رباب حسن القديحي الفلكية السعودية عضو الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء: لطالما اعتقد الناس أن علم الفلك والتنجيم لصيقان ويشكلان علماً واحداً إلا أن ذلك غير صحيح ألبتة, فلو تأملنا في المصطلحات باللغة الإنجليزية لوجدنا فرقاً جوهرياً, فالأول أصبح علم وله فروع ويدرس في الجامعات والثاني أصبح صناعة أو فن, وظل قاصراً على قراءة الحظ والطالع انطلاقاً من الادعاء  بأن النجوم ذات تأثير في شؤون الناس الحياتية واليومية. 
إن ظاهرة التنجيم وقراءة الطالع ليست جديدة أو وليدة اليوم إنما هي منتشرة منذ مئات السنين وتتجدد مع بداية كل سنة حيث تحتل كتب الأبراج وتوقعات الفلك واجهات المكتبات, وتملأ خزعبلات المنجمين كبريات الصحف والمجلات وتتناقل مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية تكهنات كل عام جديد بما يثير فضول الناس ويشدهم ليتسمروا أمام التلفاز منتظرين بفارغ الصبر بعض الترهات التي يعتقدون أنها خطوط عريضة لبداية عام جديد.
وهناك عدة أسباب أدت إلى تفشي التنجيم والركض وراء معرفة الغيبيات بشكل كبير بين الناس منها: حالة الملل والفراغ الذي يعيشه الفرد, وفقدان الثقة بالنفس بالرغم من توافر كل متع الحياة أمامه، ومن طبع الإنسان الفضول وحب استكشاف المستقبل وما هو مخبأ له, إضافة إلى كون المنجم يقنعك بقدرته على كشف هذه الأمور بوضع ألقاب كبيره بجانب اسمه تعطيك إيحاء كبيراً بالثقة به وبما يقول كـ: الدكتور الفلكي، الباحث الفلكي، العالم الفلكي, الفلكي الروحاني.. وغيرها من الألقاب التي لا تنتهي، كما أن الإعلام لعب دوراً كبيراً في تشويه علم الفلك وذلك بتخصيص زوايا في بعض البرامج التلفزيونية والصحف لنشر الأبراج أو ماذا تقول لك النجوم ليتابعها الناس وكذلك بفتح قنوات متخصصة لهذا الغرض مع أشخاص لا يفقهون في العلم شيئاً للضحك على عقول الناس وسحب أموالهم عن طريق اتصالهم وعرض مشاكلهم وعندها تبدأ الآمال الزائفة والاستعداد لدفع الغالي والنفيس لتحقيق أمانيهم ولا فرق بين متعلم وجاهل في هذا الأمر.
وتقول عضو الأكاديمية البريطانية لتنمية الموارد البشرية جميلة عبدالله الأصمخ: انفتح العالم على بعض وظهرت جراء ذلك أمور كثيرة وعلوم لا حصر لها. ومن أبرز ما ظهر لأصحاب الفكر والوعي المتألق تلك العلوم التي وجدت صدى كبيراً, وكأي من العلوم الجديدة التي تبعث على التغيير والتبديل والتطوير؛ وجدت المعارض والمؤيد والشاك والمتيقن والمحايد, رغم انتشارها السريع الذي أبهر الجميع حيث لامست أحلام الكثير وأنزلتها على أرض الواقع، وعالجت المشاكل التي كان يعتقد بأنه ليس لها حل، أو كانت صعبة المنال. ومن أمثلة هذه العلوم: التنجيم, الأبراج والطوالع, تأثير الأسماء, الفراسة، البرمجة اللغوية العصبية, الأحجار الكريمة, المعالجة بالألوان, الطاقة الحيوية, لغة الجسد, الطب البديل,  قراءة الكف, الإبر الصينية.. وغيرها.
ومن الشبهات التي تعرضت لها هذه العلوم التشكيك في أصلها, وهل هي علم أم فن من الفنون, هناك من ربطها بالسحر والشعوذة, أو هي علم جديد مستحدث يعتمد على مجموعة فرضيات واهية، علوم يلفها الغموض يسهل الطعن فيها عند ممارستها وتطبيقها، قيل إنها علوم انتقائية وجمعت من عدة مصادر وليست علماً قائماً بذاته.
وتضيف: الإنسان عدو ما يجهل, ولو بحثنا في الرسالات السابقة والعصور السالفة لوجدنا أن تلك العلوم التي هوجمت ما هي إلا علوم قديمة المنشأ وليست علوماً جديدة كما اعتقد البعض, وقد كانت موجودة منذ القرون الأولى، ولابتعادنا عن مواكبة التعلم والتطور، وقبعنا في الجهل بهجرنا للعلوم وتركها للغرب, وعندما ظهرت لنا الآن بحلتها الجديدة انبهرنا وتعلقنا بها.
دعونا نتصفح التاريخ سوياً ونرى ماذا سيخبرنا، ونجد بحوزته من أنباء قد وجدت أحاديث جمة تؤيد وتؤكد على وجود هذه العلوم.
كما هوجمت البرمجة بأنها ليست علم قائم بذاته وإنما هي انتقائية وملتقطة من العلوم الأخرى ومستحدث من العلوم الأخرى, وأجيب: إن كانت كذلك فما الضير من ذلك؟ أن نجمع العلوم ونلتقطها في سبيل تحقيق السعادة والاستفادة منها في بث السلام وروح التسامح, أليس علم الفقه هو مستحدث من خلال الأحكام التي وردت في القرآن الكريم؟ أوَليس علم الحديث هو روايات من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؟ جمع وأطلق عليه علم الحديث؟ أو ليست السيرة النبوية ما هي إلا تقارير سجلت عن سلوكيات من قول أو فعل عن رسول الله عليه السلام, وكذلك علم الأصول ما هو إلا علم مستحدث ومستنبط من علم الفقه واللغة العربية؟ هل نعتبرها علم أجوف أم أنها قائمة على قواعد أساسية في النحو والبلاغة؟ وإني أجد في هذا الاتهام ما يعزز من مكانة البرمجة ويقويها خصوصاً بأنها نسبت استخلاصها وإخراجها من علوم الدين الحنيف وأساسه من الرسالة المحمدية، وهذا ما نعتمد عليه في صحتها، ووجدت علوم كثيرة تدعم وتؤيد قوانينها وإستراتيجيتها, وإن اختلفت الأقاويل في الطرح والأسلوب فإن البرمجة وكذلك الطاقة تعتمد على فرضيات وقواعد وقوانين معينة وضعت وتم التطبيق عليها تحت دراسات وتجارب علمية ومستشفيات متخصصة.
ولو بحثنا معاً لوجدنا أن الأسباب الرئيسية في مهاجمة استخدام هذه العلوم هو: عدم فهمها وتعلمها وفك رموزها، فهي علوم مثل غيرها المهم معرفة طريقة استخدامها، وفي سياقها الصحيح. فلكل علم مخاطرة ومخاوفه وسلبياته, حيث ترتكز وتعتمد على مستخدمه كما في الذرة النووية هي شعلة الفائدة في التطور والتقدم، فهناك من سخرها لعمارة الأرض، كما أن هناك من سخرها للحرب والدمار. هذه العلوم ما زالت في مهب الرياح وتعتمد على اجتهادات شخصية لعدم وجود مراكز محددة تتبناها وتخصص لها مواقع أساسية وسنوات دراسية معينة كما هو الحال في السلم التعليمي بأن تكون هناك معاهد وكليات وجامعات كغيرها من التخصصات ليتم الاعتراف بها رسمياً. كما أن هناك قلة عددية في هذه المجالات ومحدودية في التخصصات. إن عدم تواصلنا مع البعض في هذا الكم الهائل من التخصصات المختلفة والمشهود لها برسميتها واعتمادها؛ أدى إلى إضعافها واستهجانها.

ذو صلة