مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

طائفة من العلوم الزائفة pseudosciences

انتهجت (بشكل خاطئ) بعض الدراسات الإنسانية عبر تارaيخها الطويل -في طرائق تحليلها- منهج العلوم الطبيعية, فأضحت معارف منهجية لها أركانها ومنظروها, على الرغم من افتقارها إلى نظريات واضحة وقوانين ضابطة.
ويعد أرسطو أول المنظرين والرائد الأصل لهذه الطائفة في دراسة ما يسمى علم الفراسة (فيزيونومي- physiognomy) الذي يبحث في تقصي خفايا المرء السيكولوجية وسبر خباياه العقلية, انطلاقاً من ملامح وجهه وهيئته, ومن حركاته وإيماءاته. 
وقد تطور علم الفراسة وانتشر مثله مثل بقية العلوم حتى أضحت له شعب وفروع, لكنها غدت كلها -بالبحث العلمي المتقدم- تعوزها الدقة ومنهجية البحث العلمي, لذا فقد تم إطلاق مصطلح العلم الكاذب (pseudoscience) على طائفة من العلوم اقترنت بصفة الفراسة أو تشعبت منها, نستعرضها تعريفاً وتلخيصاً. 

1 - الفرينولوجيا phrenology 
ويعرف بأنه علم فراسة الدماغ أو قراءة الرأس (head-reading), الذي يهدف لمعرفة خصائص الشخص وملكاته العقلية انطلاقاً من شكل جمجمته وتضاريس رأسه ونمو شعره.
لقد قام عالم النفس والأعصاب الألماني فرانز جوزيف غول (Franz Joseph Gall (1828 - 1758) بعد دراسته لعدد من المجرمين والمرضى العقليين, برسم خريطة لـ 26 منطقة من سطح الدماغ زعم بأنها مواقع لقدرات عقلية موصوفة ومحددة, ثم جاء كل من جورج كوم George Combe  (1858 - 1788) ويوهان سبورزهيم Johann Spurzheim  ( (1832 - 1776 فراحا يعملان معاً على تنقيح وتوسيع منظومة غول لتشمل الخارطة على 35 منطقة دماغية.
بقي الـ phrenology حتى منتصف القرن العشرين علماً يعتد به ويعتمد عليه, إلى أن فندته أخيراً الأبحاث المتقدمة.
أما مرتكزاته فهي خمسة مرتبة كالتالي:
1 - الدماغ هو عضو العقل.
2 - يمكن تحليل القدرات العقلية إلى عدد محدد من الملكات المستقلة.
3 - هذه الملكات فطرية ومتأصلة في مواقع محددة من سطح الدماغ.
4 - حجوم هذه المواقع هي المقياس في تحديد درجة الملكة الخاصة بكل منها. 
5 - هناك توافق حميمي بين السطح الخارجي للجمجمة وسطح الدماغ تحته, ما يمكن المراقب من تمييز 
 الحجوم النسبية للمناطق المتعددة من الدماغ عن طريق فحص الشكل الخارجي للرأس. 
2 - الباراسيكولوجيا Parapsychology
ولعله أكثر علوم الطائفة اقتراباً من منهجية البحث العلمي, ويعرف أيضاً بأنه علم النفس الغيبي أو التخاطر (telepathy) أي التواصل مع النشاط الذهني للآخرين وقراءة أفكارهم. 
وقد تم إطلاق اسم ظاهرة بساي (psi phenomenon) عام 1942 على كل التوالدات النفسية للأفكار من دون أي منبه فيزيائي خارجي.
عموماً يشير مصطلح الباراسيكولوجيا إلى المعرفة المكتسبة من خارج الحواس الخمسة, وكانت قد أجريت سلسلة من التجارب في جامعة ديوك في أمريكا في عام 1930, ولكنها تداعت كلها لافتقارها إلى المنهج الاختباري والتحليل الإحصائي الصحيحين, فأعيد تصميمها بعد عام 1960 من جديد.
ويتفرع الباراسيكولوجيا إلى فرعين أساسيين:
- الإدراك ما فوق الحسي (extrasensory perception – ESP) ويتضمن الاستبصار أو حدة الإدراك (كليرفوينس- clairvoyance) في كشفه لأمر مغيب أو لطاقات غير محسوسة-موجات راديوية, أو رؤية أرواح الموتى وسماع أصواتهم. 
- التأثير على الأشياء بعامل الفكر أو الإرادة (سايكوكينيسيس psychokinesis) دون استعمال القوة الجسدية أو المادية, ويسمى أيضاً التأثير الإيحائي عن بعد.
3 - النيوميرولوجيا Numerology 
ويعرف بأنه علم التكهن بالأعداد في كشف تفاصيل حياة الشخص الماضية والحاضرة والمستقبلية.
تقوم هذه النظرية على خلفية المذهب الفيثاغوري (pythagoreanism) الذي يقوم بدوره على تلخيص العالم كله في صيغة من الأعداد والعلاقات الرياضية.
فما من شيء بحسب النيوميرولوجيا إلا ويمكن اختزاله في نهاية المطاف إلى تعبير عددي. وباستخدام منظومة عددية مخصصة لكل حرف من الأبجدية يمكن إرجاع اسم الشخص وتاريخ ميلاده, وما إلى ذلك, إلى جدول الدلالات العددية, وبالتالي معرفة تفاصيله الشخصية ومقدراته المستقبلية.
4 - الغرافولوجيا Graphology
ويسمى أيضاً فن الخط (Penmanship)، ويعرف بأنه علم الاستدلال الخطى, إذ أن شخصية الكاتب (المزعزعة) تندلق -بصورة لا واعية- على خط يده, من حيث حجم الكلمات وفضائها, دقتها وتباعدها, درجة الإمالة وانتظامها, وكذلك التفنن في مد أوساط الكلمات وليّ أعناقها في مدها وجزرها. باختصار, فإن سدى ولحمة الخط (Handwriting) يتكاملان من مزاج الكاتب وشخصيته. 
من الواضح أن هذه النظرية تفتقر إلى التجربة الشاملة في تقصيها للتطابق الوصفي مع الواقع, ناهيك عن تبدلات الخط وتأثره بفيزيوسيكولوجيا (psychophysiology) الكاتب, مثل القلق والمرض والشيخوخة وغيرها. 
5 - التنجيم Astrology 
ويعرف بأنه علم دراسة تأثير الأجرام السماوية على الحياة على الأرض, فالمنجمون يربطون الأوضاع النسبية لهذه الأجرام ووقت الميلاد لشخص معين في محاولة لقراءة شخصيته ومستقبله.
أول من استعمل التنجيم هم الإغريق, وقد قاموا بتطويره إلى التنجيم الحديث عندما تبنوا نظام التقويم الفلكي الذي أنشأه المصريون (المؤلف من 12 شهراً لكل 30 يوماً, مع إضافة 5 أيام إلى نهاية كل سنة).
وكلمة horoscope التي تعني خريطة البروج هي إغريقية h?roskopos, وتعني) h?ra الساعة)+ skopos (مراقب) أي (مراقب الساعة).
لقد اعتقد الإغريق بأن الشمس في دورانها حول الأرض تمر بالكوكبات المتمثلة في دائرة البروج. وهذا باطل اليوم, فلا الشمس تدور حول الأرض, ولا هي تمر بأي من النجوم البعيدة المتمثلة في دائرة البروج. ناهيك عن الشكل الاعتباطي للكوكبة التي تؤلفها نجوم متحركة على الدوام, بينما اعتقد الإغريق بالشكل الثابت المتميز لكل كوكبة. 
6 - قراءة الكف Palmistry
ويستخدم لأكثر من غرض, في قراءة البخت, تشخيص المرض, كشف الشخصية, التنبؤ بالمستقبل. وقد تميز هذا العلم بانتشاره الواسع, ولا يكاد يخلو منه موطن من بقاع العالم. ويعتقد بأن رواده الأول هم من غجر الهند وعرافيه ومتصوفيه, ومنه انتقل إلى الصين ومصر والإغريق وفارس وما بين النهرين. ومن الطريف أنه مورس في أوروبا لكشف الساحرات, فقد كانوا يعتقدون بوجود أصباغ نقطية على كف الساحرة من أثر الشيطان.
خلاصة الطائفة
بعد هذا الاستعراض السريع لطائفة من العلوم الزائفة يمكننا القول بأنها تنظّر لطائفة من المنظومات والنظريات تحاكي العلم, بلا أساس علمي. 
ويتلخص مبدأ عملها في إطار جملة من الطرائق والممارسات نلخصها كالتالي:
- الادعاء بتطبيق طرائقها على الصعيد العلمي رغم أنها غير مبرهنة علمياً. 
- ترفض الإجراءات العلمية النموذجية وتتخذ من كشف الألغاز والشذوذات هدفها الأساسي.
- الاستشهاد بالحكايات أو الأساطير كدليل علمي على صحة منهجها.
- تنتقي وتنظم بياناتها بحيث تنسجم ومقاصدها في طريقة البحث والمنهج. 
- تعالج الموضوعات العلمية وكأن الأدب العلمي هو كل ما طرحه عالم ما من أفكار وآراء.

ذو صلة