عانت المنطقة العربية في النصف الأخير من القرن المنصرم من تشظيات عديدة، طال تأثيرها السياسي مختلف المجالات الأخرى؛ من اقتصاد، وتنمية، وتطور، وبنية صحية وتعليمية وثقافية وغيرها، كما تأرجح لهيبها من جهة إلى أخرى، بدءاً بالمسألة الفلسطينية، مروراً بحكم العسكر لبعض دول المنطقة، وهي الحقبة التي أطلق عليها المفكر أحمد الشيباني (حقبة العبث والجنون)، ثم وليس انتهاء بتقلبات ما سُمّي بالربيع العربي الذي ما تزال تبعات ما خلفه قائمة إلى اليوم، فضلاً عن تأثير جماعات الإسلام السياسي، ودور الأطراف الدولية وتدخلاتها في تعقيد المشهد لدى الداخل العربي.
هذا الواقع المضطرب أدّى بالضرورة إلى تهشّم الروح لدى الإنسان العربي، وانسداد الأفق نحو مستقبل حالم يمكن من خلاله بناء الذات، وتنمية المجتمعات، والسعي نحو الطموحات، وبالتالي مجاراة الآخر الغربي نحو الإسهام في تحقيق التنمية الإنسانية عامة، والازدهار الحضاري الشامل.
حدث ذلك في ظل غياب لنموذج عربي يملك المقومات النهضوية الكبرى مثل الجغرافيا الشاسعة، والعمق الإستراتيجي المادي والروحي، والقوة الاقتصادية، وهو ما كان متحصلاً لدى المملكة العربية السعودية بوصفها عمق العالمين العربي والإسلامي، فضلاً عن موقعها الجغرافي الإستراتيجي في قلب قارات العالم، إلى جانب نفوذها السياسي المتنامي، وقوتها الاقتصادية الهائلة بوصفها أحد أبرز أقطاب مصادر الطاقة العالمية، حيث أسهمت بدورها الإيجابي تجاه المنطقة منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، وعلى امتداد عهود الملوك من بعده: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، رحمهم الله، إلى أن حلَّ عهد الملك الحازم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، يحفظهما الله، حيث تبلور ضمن هذا العهد الفارق في التاريخ السعودي والخليجي والعربي والإسلامي باتجاه الآخر العالمي، ما يمكن أن أسميه بـ «النموذج السعودي».
فكرة النموذج السعودي في مجملها تعبِّر عن مشروع إحيائي شامل، صاغ حدوده ومعالمه وعوالمه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بدقة واقتدار وحكمة، سيكتبها التاريخ بمداد من ذهب، حيث تنهض فكرة النموذج السعودي على استثمار المقدرات كافة، الرمزية والمعنوية والمادية والثقافية ونحوها، لبناء حاضر متين يقود إلى مستقبل آمن ومستدام، مستحضراً إشراك الطيف العربي حكومات وشعوباً في هذا المشروع، بل ومحاولة تعميم النموذج السعودي عبر المحاكاة، وإشعال جذوة النهوض المتوازي، بما يضمن شمول المكتسب والفائدة.
(المجلة العربية) تقدم هذا الملف محاولة تعميق فكرة تعميم النموذج السعودي، فلطالما وقف الإنسان العربي طويلاً في انتظار نموذج عربي قائد، من شأنه أن يُلهم الطاقات ويحفز القدرات ويصنع نماذج الأداء المنظم، ويمضي بأحلام الأفراد والشعوب إلى ما تستحق من خير ورخاء، وإسهام خلّاق في بنية المنظومة الحضارية. فأهلاً بكم إلى فكرة النموذج السعودي.