مجلة شهرية - العدد (588)  | سبتمبر 2025 م- ربيع الأول 1447 هـ

نصوص ترعى فـي السمــــاء

(1)
تعانقنا أنا وصخرة ضخمة يسمّونها حصاةً
وتجادلنا،
أيّنا الذي انتبه للآخر أولاً
أيّنا الأكثر حظاً بهذا اللقاء!.

هكذا ألوّح لارتباكي الذي يطل من هناك..
من الضفة المقابلة للعالم
الارتباك الذي لا يدري أنه – ومن اللاشيء
يُطلِق سراح نفسه دائماً..
إنه المخلوق من انتظار تستمدّ منه الأنانية نشوتها
ومن المنعطف أخير لا ينتهي
رغم أنه يسمّى (آخر الشارع)..

إنه لا يتخلّف عمداً..
فما إن تصله حافلتنا،
حتى يجد نفسَه مشدوهاً،
أمام ابتلاع الباب الأوتوماتيكي للحقائق النسبيّة
والعناوين الصارخة وأنواع الخطوط،
وثرثرة أسماء المحلات
وعبارات الحب الملفّقة والجاهزة للبيع..

كيف له ذلك،
ولم يمْسسه شيء من المعرفة بعد،
أن يحترس من رحمة الموت مع البقيّة!

لا بدّ وأنه لا يزال أكثر نضجاً مما يتطلبه العيش
أم أنه مثقل بنصف الخريطة المفقود للإشارات الملغّزة في أحلامي
التي وقبل أن أسأل تفسيراً
عليّ التأكد ما إذا كنتُ على جنابة!

ها هو ارتباكي غارق الآن
يتأملنا من هناك،
يرانا كهمهمات وإيماءاتٍ
وأحلامٍ مترنّحة على ظهر العالم،
وبينهن يتراءى له تلويحتي،
وأسنان صفراء.

(2)
كيف أرثيك، كيف أعتذر

وأنا باقٍ كما كنتُ آخر لقاء بيننا،
قبيل رحيلك نحو الربيع،
ما زلتُ ذلك الطفل القاسي،
الذي يخبّئ في صمته ما يُدهِش المحتضر،
ويمارس ما بدأه الميت للتو..
مازلتُ ذلك الذي يقف على صندوق (القلاب)
رافعاً كفي وأصرخ قائلاً:
(ها هو يُلوِّح بيده الكريمة)
وأنت تضحك ضحكتك الصامتة
مِن هذا المَلِك!
السرير الأبيض لم يكن لك
لهذا نجحتُ في انتهاز وحدتك من مريديك والزائرين
بعد انتهاء وقت الزيارة القصير
بروح طفل مندفع بسريّةٍ تامّةٍ خارج الصندوق،
سألتك عن الله والإرادة
وكأنما حكيتُ لك عن آخر لقطة فيديو لنيتشه،
وعلى العالم أن يتذكر ذلك المقطع بك،
ما زلتُ تلك الشرارة المتأخرة جداً
والتي أشعلَت بفضولٍ الحرائق بأيامك الأخيرة
عابثاً بمختبر الروح
بابتسامة باردة صفراء
وعلى نحو التجريب
سألتك عن الحكمة التي تحتاجها هذه الهشاشة
عن جدوى الخلق والموت والذاكرة
محاولاً إغواء إرادتك بالرجل العارف المهاب
الذي كان أنت
علّك تستعيد حركتك ونطقك
فتكون مفاجأتي للجميع
لكنك لم تقف،
بل انفجرتَ بالبكاء والصراخ
تطلبهم النجدة مني..
ثم رحلتَ بسلام

(3)
كيف أكون قطرة، والعالم هذا البحر..

بالجوع إلى الفتنة واللذة المتروكتين هنا،
لربح شيء بعيد غامض وغير مؤكَّد..
وبأحلام اليقظة وقد احتشدت فريقاً
يشدُّ بعضه بعضاً
كما لو أنني لعبة (حرب الشوارع)
مغامِرة بطيش وتتداعى
ضدَّ قصف المنطق والمستحيل..
وبهذي القصيدة
وهي توقد نفسها بيدها
أريد أن أُعيد الموجةَ إلى معرفتها
أين كل الشواطئ بلا اسم ولا اتجاه
أن أرفع رأسي ملوِّحاً
لمنارة هي بتجديفي المسافرة
وتقيسُ مدى ابتعادها
بي..

ذو صلة