مجلة شهرية - العدد (591)  | ديسمبر 2025 م- جمادى الثانية 1447 هـ

لطيفة الحاج: الصمت يمنحني القدرة على الكتابة

حوار/ لطيفة محمد القاضي: الرياض


الروائية الإماراتية الدكتورة لطيفة الحاج، المهندسة المدنية الحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم البيئية، شخصية أدبية غنية متعددة المواهب تنوعت تجربتها بين كتابة الرواية، والقصة القصيرة والشعر وقصص الأطفال والمقالة والترجمة. تؤكد أن الصمت ربما هو الذي يمنحها القدرة على الكتابة، لأن الصمت يدفع المرء للتفكير والغوص في أعماق ذاته، وأوضحت أن كثيراً من الأفكار تأتيها وهي في حالة من الصمت، لتصبح بذوراً لأعمال تكتبها لاحقاً.
وتشير إلى أنها غيرت اللغة في رواية (كانت لك أسنان) لتصبح أبسط والتساؤلات أكثر براءة والتفكير أقل عمقاً بما يتناسب مع عمر الراوية، وعن هذه الرواية وتجربتها الكتابية التقت بها (المجلة العربية).
بعدما عشتُ مع (كانت لك أسنان)، أحسستُ وكأنني غصتُ في أعماق روح إنسانية، وهناك الكثير من التساؤلات التي تتردد في ذهني. أحسستُها مرثية حنين وامتنان، وكل كلمة فيها كانت ترويها (فاخرة) بصدق. يا ترى، من أين جاءتكِ هذه الشرارة الأولى لكتابة الرواية؟ ما الذي ألهمكِ لتخلقي عالماً بهذه الحساسية، وتجعليه ينطق بصوت طفلة بهذا التركيز والعُمق؟
- حقيقة لا أعلم، وأغلب الأعمال التي أكتبها لا أتذكر من أين جاءت فكرتها، (كانت لك أسنان) بدأت كقصة قصيرة، ثم تحولت إلى رواية. كانت القصة رسالة تكتبها فتاة يتقدم لخطبتها شاب فتتذكر خالها الراحل وتكتب له رسالة تخبره فيها عن حيرتها ومشاعرها حول الخاطب. قرأ القصة صديق واقترح أن أحولها إلى رواية، أنهيت كتابتها في شهر ونصف، أقصر مدة أكتب فيها رواية. طبعاً خلال كتابتها عدت بالزمن إلى طفولة الفتاة ووضعت لها اسماً لأنها في القصة لم يكن اسمها مذكوراً. احتجت بالطبع إلى إضافة شخصيات وأحداث لتصبح القصة رواية. ولأن الرواية هي فاخرة الطفلة وهذا ما ارتأيته وأنا أحول القصة إلى رواية، تغيرت اللغة وأصبحت أبسط والتساؤلات أكثر براءة والتفكير أقل عمقاً بما يتناسب مع عمر الراوية.
عن الأم وقسوة الإنكار في الرواية التي توجع الروح، حيث تعيش في دائرة إنكار، وكأن الزمن توقف عند لحظة الفقد. ما الذي دفعكِ لتصوير هذا القدر من الألم الذي يرفض أن يغادر الروح؟ وهل تعتقدين، أن هذا التشبث بالمأساة، هذا الثبات على الألم، يمكن أن يكون نوعاً من النجاة الروحية، حتى لو كان موجعاً ومؤلماً للغاية؟
- في الواقع لا يعرف عن ألم الفقد إلا من عاشه، وكل شخص لديه ردة فعل مختلفة نحو الفقد. ربما لزم أن تكون شخصية الأم بهذه الصورة أنها فقدت اثنين من أحب الناس إليها. ولن يعرف القارئ هذا الأمر إلا في نهاية الرواية. أعتقد أن شخصية الأم استدعت هذا النوع من التمسك بالألم خصوصاً وأنها شخصية سلبية نوعاً ما بتبعيتها وعدم اتخاذها موقفاً من زوجها الذي أساء إليها وتركها. فربما هي وجدت في الألم مواساة لنفسها.
عن سر (الأسنان) في العنوان، عنوان الرواية (كانت لك أسنان) يثير الكثير من الفضول والتساؤلات، ما الذي أردتِ أن تهمسي به لنا من خلال هذه (الأسنان)؟ هل هي رمز لقوة فُقدت، أو لشيء كان له وجود ثم تلاشى، أم دلالة أعمق على قدرتنا على امتصاص صدمات الحياة ومواجهة قسوتها؟
- هنالك تفسير لفقدان الأسنان في الحلم بأن الذي يرى أن أسنانه فقدت فهو يفقد شخصاً عزيزاً. ففي الأحلام فقدان الأسنان يعني فقدان شخص عزيز. الخضر كان هذا العزيز الذي فقد أسنانه وفقد حبيبته وابنة أخته المفضلة وترك أخته حبيسة الألم والوحدة.
عن تحديات الكتابة وأثرها عليكِ لاحظت أن السرد في روايتكِ له نغمة مختلفة، عميقة ومؤثرة تلامس الروح والوجدان. أجد أن هذا العمق لم يأتِ بسهولة. ما هي أصعب التحديات التي واجهتكِ وأنتِ تكتبين هذه الرواية لتصل بهذا الصدق والعمق؟
- ربما الصعوبة التي وجدتها هي أنني كنت أكتب على لسان طفلة تروي الرواية، تنظر إلى عالم الكبار من منظورها هي، تحلل وتفكر وتتساءل ويجيبها الخال الذي لم يكن يعاملها مثل طفلة. لهذا أحبته وحلمت بحبيب يشبهه. ثم تكبر فاخرة لكن في مخيلة القارئ وفي الحقيقة أنها تبقى طفلة تتخيل أنها تكبر وتقع في الحب ويتقدم لها الخاطبون. هنا وجدت بعض الصعوبة في إقناع القارئ بفكرة العمل وأظنني ولله الحمد نجحت.
وبعد كل هذا الغوص في عالم (فاخرة) وعلاقتها بـ(الخضر) والبحث عن الحقيقة، هل تركت الرواية أثراً في داخلكِ ككاتبة؟ وهل تغيرت وجهة نظركِ لبعض الأمور في الحياة بعد هذه التجربة؟
- صراحة نعم، بعد مدة من كتابتها، ولأنني لم أعش مع الرواية وقتاً كافياً، كتبتها في مدة قصيرة وسلمتها لجائزة راشد بن حمد الشرقي، لاحقاً وجدت أنني كنت أكتب عن طفولتي في العين، عن النخل الذي كنا نذهب إليه والماء الذي كان يخيفني في الحوض. عن تساؤلاتي أنا عن الحياة عندما كنت صغيرة، اكتشفت لاحقاً أنني كنت أكتب شيئاً كثيراً عني في (كانت لك أسنان) لكن بلا وعي مني.
عن سحر الصمت وبلاغته، وجدتُ أنكِ تتقنين لغة الصمت بقدر إتقانكِ للغة البوح. هناك الكثير من المشاعر التي لم تُقل بالكلمات، لكنها كانت محسوسة بعمق في الفراغات بين الجمل. برأيكِ، هل فعلاً هناك مشاعر كثيرة لا يمكن للكلمات أن تحملها، وأن الصمت أحياناً يكون أكثر بلاغة وتأثيراً في بناء تجربتنا مع النص؟ وما أهمية هذا الصمت لكِ ككاتبة؟
- الصمت ربما هو الذي يمنحني القدرة على الكتابة، لأن الصمت يدفع المرء للتفكير والغوص في أعماق ذاته، كثير من الأفكار تأتيني وأنا صامتة، وكثير منها أيضاً أكتبها وتصبح بذوراً لأعمال أكتبها لاحقاً. في الصمت سحر، لهذا كانت رابعة صامتة والخضر كثير الصمت وحتى فاخرة وهي تتأمل علاقتهما وتتمناها كانت تراقبهما بصمت.
ما هي المقومات الثقافية الإماراتية التي حرصتِ على أن تبرزيها للقارئ ليعيشها؟
- في هذا العمل تناولت العلاقات الأسرية، والجيرة والعادات والتقاليد ومفهوم الصداقة والوفاء، أيضاً تعرضت لموضوع الختان الذي يعد موضوعاً حساساً في المجتمعات المحافظة. تناولت أيضاً الأعراس والعادات في حفلات الزفاف ومواضيع أخرى اجتماعية وخاصة بمجتمع الإمارات.
عن الطفولة التي كبرت قبل الأوان، هل ترين أن (الطفولة) في هذه الرواية كانت مجرد عالم بريء نلجأ إليه، أم أنكِ جسدتِ من خلالها تحديات الحياة القاسية والخوف واللحظات الصعبة التي دفعت (فاخرة) لكي تكبر قبل أوانها بكثير؟
- أردت تحديداً الكتابة عن فترة التسعينات، وفي تلك الفترة كنت أنا نفسي طفلة وكأنني كنت أكتب عن طفولتي ونظرة من هم في نفس عمري نحو الحياة في حقبة مضت. يفترض أن فاخرة عاشت طفولة سعيدة مدللة من قبل خالها ووالدتها، لكن الحادث الذي يحدث هو الذي يقلب الموازين ويحول الحياة الهادئة إلى لحظات صعبة مليئة بالمفاجآت.
عن الترجمة ونقل الروح المؤلف، بما أنكِ لكِ تجارب في ترجمة العديد من الروايات، هل تعتقدين أن الترجمة يمكن أن تنقل العمل الأدبي بكل أبعاده الوجدانية ومشاعره الدقيقة، أم أن هناك شيئاً من الروح يظل أسير لغته الأصلية، كيف ترين هذه العملية من منظوركِ ككاتبة ومترجمة؟
- شخصياً حاولت في ترجماتي المحافظة على النص الأصلي ونقل روح المؤلف والحفاظ على أسلوبه، فأنا أتعامل مع النص كأمانة، علي أن أوصلها كاملة وسليمة. يمكن للترجمة أن تنقل الأبعاد الوجدانية والمشاعر الدقيقة إن حرص ناقلها على أن يتعامل مع النص بموضوعية وأمانة ووضع رأيه وأسلوبه وأفكاره جانباً عندما يترجم.

ذو صلة