مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

فيدريكا بيستونو: القوة الاقتصادية تديرالسياسة والثقافة

حوار/ حمد الدريهم: الرياض


منذ سنوات تواصل المترجمة والباحثة الإيطالية د. فيدريكا بيستونو رفد الثقافة الإيطالية المعاصرة عبر ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى الإيطالية مثل: (خاتم) لرجاء عالم، و(تمر الأصابع) لمحسن الرملي، و(العطر الفرنسي) لأمير تاج السر.. وغيرها من الأعمال، التقيتُ بها لأحاورها حول واقع الترجمة العربية إلى الإيطالية, وواقع العلاقة بين الثقافتين, وطقوسها في الترجمة، بالإضافة إلى قضايا أخرى.. فإليكم الحوار:

حدثينا عن بداياتِك الأولى مع اللغة العربية، بعد كل هذه الأعوام، ما الذي بقي من هذه الذكريات؟
- بدأت دراسة اللغة العربية كشخص بالغ، وقد حصلت بالفعل على درجة الماجستير وعملت مدرسة في المدرسة الثانوية. أتذكر أول دورة للغة العربية في جامعة روما، مع مدرسة جيدة جداً، ثم غادرت إلى اليمن، حيث مكثت لمدة عام لتعلم اللغة العربية، ثم سافرت كثيراً إلى سوريا ومصر وتونس والمغرب والأردن لتعلم اللغة العربية، ثم تابعت دراسة الدكتوراه، والترجمة في الجامعة.
بعد تجربة سنوات عديدة في ترجمة الأعمال العربية إلى اللغة الإيطالية وتجربة العيش في دول عربية مختلفة، كيف تصفين العالم العربي؟
- في رأيي، لا يوجد عالم عربي، هناك بلدان عربية كثيرة، لكل بلد عربي أدبه وتاريخه وجغرافيته ونظامه السياسي، وكل هذا ينعكس على الأدب، لا يوجد أدب عربي معاصر، هناك العديد من الآداب بقدر عدد البلدان، يقدم كل أدب موضوعات مختلفة تشير إلى ما عاشه شعب البلد، إن رواية بلد عانى من الحرب والدمار لا يمكن أن تشبه رواية بلد عاش في سلام.
هل من طقوس معينة تقومين بها أثناء عملية الترجمة؟
- لا أتحدث عن الطقوس ولكن عن مراحل عملية الترجمة، أقرأ الكتاب أولاً لمعرفة ما إذا كان يعجبني، بعد ذلك، عندما أجد الناشر، أقرؤه مرة أخرى لتحديد المشكلات وتحديد كيفية ترجمته، على سبيل المثال، قد تحتوي الرواية على اقتباسات من نصوص أخرى، أو كلمات يصعب ترجمتها لعدم وجود مرادف باللغة الإيطالية، حل هذه المشكلات الأولية، أرى ما إذا كانت هناك ترجمات إلى لغات أوروبية أخرى لمعرفة كيف حل المترجمون الآخرون مشكلات النص، ثم أتابع الترجمة والمراجعة الفعلية إلى الإيطالية.
 كيف تصفين تلقي القارئ الإيطالي للأدب العربي، لاسيما لروايات الأدب السعودي التي قمتِ بترجمتها إلى اللغة الإيطالية؟
- لسوء الحظ، لا يزال الأدب العربي في إيطاليا موجهاً إلى جمهور محدد من المتخصصين، أيضاً لأنه يتم نشره بشكل أساسي من قبل دور نشر صغيرة لا ينشرونه بشكل كافٍ، أما الرواية السعودية فهي تلقى كثيراً من الاهتمام في إيطاليا، لأن المملكة العربية السعودية للإيطاليين رائعة وغامضة للغاية، ربما لأن السياحة الجماعية لم تصل بعد ولأن الجمهور لا يزال متأثراً برؤية استشراقية، لذلك يثير الأدب السعودي الفضول ويقرؤه الإيطاليون، خصوصاً ما كتبته النساء.
بالرغم من الحضور العربي الإسلامي في صقلية قبل قرون، إلا أنها لم تمتد كثيراً وتتعمق في الواقع الثقافي الإيطالي بعكس بعض الثقافات مثل الإنجليزية والفرنسية؛ ما الأسباب برأيك؟
- في ثقافة صقلية، لا تزال هناك العديد من آثار الحضارة العربية والإسلامية، اللغة العربية تركت آثاراً في لهجة بعض مناطق صقلية، حيث تركت الثقافة العربية آثاراً في بعض التقاليد الصقلية، حتى طعام صقلية يشبه الطعام العربي، في مكتب التحرير لدينا كاتبة من صقلية وهي قررت أن تنطلق من الثقافة الصقلية لبناء جسر ثقافي بين العالمين.
في العصر الحديث، من يتأمل علاقة الشرق -أعني بالشرق هنا العالم العربي تحديداً- بالغرب، يجد أنه في كل فترة تتحور الأسباب، لكن تبقى ذهنية التوتر حاضرة بقوة. هل ذهنية التوتر المتجذرة دليل على صدق قول الشاعر الإنجليزي روديارد كبلينغ: «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا»؟ وكيف يمكن أن نستغل بعض الفترات المضيئة للعلاقة بين الشرق والغرب حتى تكون هي المتن والأصل في العلاقة بينهما؟
- هذا سؤال سياسي وليس أدبياً، المواجهة بين الشرق والغرب صعبة وليست مستحيلة، المصالح الاقتصادية وراء الخيارات السياسية، لقد غير الغرب بالكلمات فقط النهج الاستعماري مع شرق وجنوب العالم، لسوء الحظ، فإن القوة الاقتصادية تدير السياسة والثقافة أيضاً، وهذا هو سبب صعوبة انتشار الأدب العربي في أوروبا، إنها معركة ثقافية وسياسية لعدد قليل جداً من الناس، الذين يعملون بجد ولكن نتائجهم سيئة.
كيف تصفين واقع ترجمة الثقافة العربية إلى الإيطالية؟ وكيف ترين مستقبلها؟
- واقع الترجمة الأدبية من العربية في إيطاليا صعب للغاية، ينشر كبار الناشرين عدداً قليلاً جداً من الروايات العربية، أولئك الذين ينشرون هي دور نشر صغيرة، إن لديهم القليل من المال للترويج للكتب المنشورة، لذلك فإن هذه الأعمال غير معروفة. المترجمون إما يتقاضون رواتبهم غير مدفوعة الأجر أو يتقاضون رواتب قليلة جداً، لذا فهم يترجمون كتاباً أو كتابين ثم يغيرون وظائفهم. تتم ترجمة العديد من الروايات من قبل شباب عديمي الخبرة، وبالتالي فإن الترجمات غالباً ما تكون غير جيدة، القلائل الذين يترجمون من أجل حب الترجمة يجب أن يكون لديهم عمل آخر، لهذا للأسف، يجب علينا نحن المترجمين أن نرفض ترجمة الأعمال الجميلة والممتعة، لأن الناشرين لا يريدون دفع رواتب الكتاب والمترجمين، فهم يريدون الثراء من عمل الآخرين، حقيقة محزنة للغاية، لهذا السبب يجب على الدول العربية الغنية تقديم بعض المساعدة المالية لترجمة أعمالهم.
هل هناك عمل أدبي استوقفك كثيراً أثناء ترجمته وكانت له حكاية خاصة لا تُنسى؟
- أحببت كل الروايات التي ترجمتها، لا أترجم عملاً إذا لم أحبه، على وجه الخصوص، أحببت (القوقعة) لمصطفى خليفة، و(خاتم) لرجاء عالم، و(العطر الفرنسي) لأمير تاج السر.
قبل أشهر أطلقتم موقع (شواطئ عربية) rivearabe الذي يُعنى بالأدب العربي المكتوب بالإيطالية، كيف تصفون تلك التجربة؟
- نعم، إنه موقع مخصص للأدب العربي، المترجم إلى الإيطالية، ولكن أيضاً إلى ذلك الذي لم يترجم بعد، والذي يرغب المترجمون الإيطاليون في ترجمته.

ذو صلة