مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

هيلة المحيسن.. وصلت للعالم بأنامل قدميها

هيلة المحيسن.. وصلت للعالم بأنامل قدميها
حاورها: عبدالرحمن الخضيري


أول ما لفت انتباهي لها هو مرحها وخفة روحها التي تغمرك وهي تخاطبك، جهزت أسئلتي لمناقشتها مع الفنانة التشكيلية هيلة المحيسن، وذاب معظمها وتوارى مع روحها المرحة. اللغة التي تتحدث بها الفنانة هيلة المحيسن تسافر بك إلى فضاءات ممتدة من الأمل والتفاؤل وعشق الحياة. نعم، عشق الحياة الوقود الحقيقي في طريقك لتجاوز محطات الإعاقة والألم والانكسارات. هيلة المحسين ولدت بلا ذراعين، وتربت في كنف أسرة عظيمة، وهبت طفلتها بدل الذراعين الحضن الدافئ والعزيمة والقوة لمواجهة الأيام والحاجة، وحولتها إلى معجزة إنسانية وفنية. في حواري معها أخذت بيدي إلى شواطئها وحكاياتها مع الرسم والألوان والروح المتفائلة التي أسرتني.
حدثينا عن طفولتك، وكيف ساهمت في بروز موهبتك الفنية؟
‏‏طفولتي كانت عادية، بالرغم من أنني ولدت بلا ذراعين، مما أثر على طريقتي في الحبو والإمساك بالأشياء من حولي. وترعرت في كنف أم ‏عظيمة ومعلمة تربية فنية لوحاتها تملأ البيت والمدرسة، مما ساهم في حبي للرسم وشغفي به. وتستطيع أن تقول إنني أنتمي إلى أسرة فنية، فالعديد من أقاربي يمارسون ‏الرسم، واستفدت من ملاحظاتهم في بداية ممارستي للرسم، وأنا في عمر الحادية عشرة، عندما كانت لوحاتي بسيطة. ‏
يحب كل فنان أن ينهج أسلوباً خاصاً يميزه عن غيره؛ فما الأسلوب الذي نهجته هيلة في مسيرتها الفنية؟ وما أولى لوحاتك الفنية؟
النهج الذي أستخدمه ‏هو عبارة عن لقطات أو لحظات حركت مشاعري لتتحول إلى لوحة، فكل لوحة لدي لها قصة. الفن في فهمي لغة ناطقة، كذلك ربما تقرأ كسلسلة ذكريات للفنان، قد تعبر عن لحظة حزن أو فرح أو تناقش مشكلة، ويغلب على رسوماتي أنني استمديتها من حياتي الشخصية أو مواقف عشتها أو رويت لي وأعجبتني، لذا عبرت عن ذلك بالرسم.
 ما اللوحة التي تعتبرينها خطاً فاصلاً في تحول مسيرتك الفنية من الموهبة للحرفة والإبداع؟
النقلة المفصلية ‏ما بين ‏لوحاتي ‏السابقة ولوحاتي الحالية عندما تحررت من ‏ المدرسة الفنية ‏القوطية (كئيبة) في بداياتي الأولى في صغر سني، ويعود ذلك بسبب قلقي الدائم وسؤالاتي المتكررة عن شكلي الخارجي، و‏لماذا أنا لست كباقي البنات؛ ‏ولكن في مرحلة المتوسطة بدأت في التغيير والانعتاق من هذا الحال تدريجياً، لأبدأ في رسم البورتريه -‏الفن الصامت- ‏وصولاً لممارسة الفن التجريدي، ولكن يغلب البورتريه على معظم أعمالي الفنية.
من يحفز ريشة فنانتنا أكثر على الرسم؟
غالبية رسوماتي ترجمة لأحداث ومشاهد قد عايشتها، ومنها خيالي ‏يعبر عن شعور ‏داخلي، ‏يصعب وصفه بالكلمات. وبالرسم أطلق العنان لمشاعري وخيالاتي للتحدث والبوح.
يقول الفنان العالمي بابلو بيكاسو: (الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات)؛ إلى أي درجة ينطبق هذا القول على رسوماتك؟
صحيح، الفن هو محاولة تنفيس عن مشاعرنا وأحاسيسنا مهما كانت. أتصدق إذا أخبرتك بأن لدي بعض اللوحات مرت بثلاث فترات زمنية عشتها لتكتمل، لذا أقول بعض المشاعر لا تنطق بل ترسم.
 ويقول أيضاً: (من العبقرية استخدام المادة الخام وتحويلها إلى قطعة فنية)؛ حدثينا عن تعاملك مع الخامات والألوان؟
أستخدم جميع الخامات المتوافرة لدي، لكن اهتماماتي تنصب على الألوان، وكيف تساهم في إبراز هدف اللوحة ومغزاها.
للألوان حكايات وقصص تحتاج لمبدع حتى يفكك رموزها؛ فلِمَ لا تحدثينا عنها؟
‏كل لون عندي له وظيفة معينة، ‏وتكنيك خاص، لذا تجد في بعض لوحاتي أنني استخدمت أكثر من ستة ألوان في لوحة واحدة. الرمزية هنا في وظيفة اللون ومدى تقاطعه مع الألوان الأخرى.
الوطن، المرأة، الطفولة.. في لوحاتك؟
 الفن والرسم رسالته غير مباشرة، وإلا فقد جمالياته، ولكنك تستطيع تضمينه رسائلك أسوة ببقية الفنون، وهذه الموضوعات لا تخلو منها لوحاتي. كانت لدي لوحات عن الوطن ‏ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- والملك المؤسس عبدالعزيز والملك عبدالله -رحمهما الله- أيضاً للشيخ الراحل زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات الشقيقة، وللأسف لم أسترجعها من مجموعة إشراقات خلال زيارتي لدولة الإمارات.
يقال إن العنوان جزء مهم من الفكرة؛ عند هيلة أيهما يسبق: العنوان أم اللوحة؟
‏لا أريد أن أحرم المتلقي من نعمة التأمل والتفكر ومحاولة قراءة مضامين اللوحة الخفية، لهذا لا أفضل عنونة لوحاتي، أذكر أن لي محاولتين في تسمية لوحتين من أعمالي فقط، ‏‏لكن لكل عين تفسير معين. ‏
في تغريدة لك عبر حسابك التويتري قلتِ: أنا بعيدة عن الضوضاء التي في الحياة... إلخ؛ أي ضوضاء تقصدين؟
الذي قصدته تلك الأشياء فاقدة القيمة والمزعجة، فأنا بعيدة عن ‏وسائل التواصل، ‏ونادراً ما أشارك بها، ‏وإن شاركت لا أتجاوز محيط الأصدقاء والداعمين لفني أو زملاء الشغف من الفنانين والرسامين، وجُل وقتي أقضيه بين لوحاتي وتثقيف نفسي.
في تغريدة أخرى لك قلتِ: لو خيروك: 1 - تتعلم تكتب شعر
 2 - تتعلم العزف
 3 - تتعلم الرسم
أنا من خلالها أسالك أيها تختارين؟
‏بالتأكيد سأختار الرسم مجدداً؛ لأنها هي الموهبة التي عبرت عني، والنافذة التي أوصلتني للعالم ولك.
هل للفراق والخذلان نصيب في رسوماتك؛ كما أني ألاحظ تكرارهما في تغريداتك؛ لماذا؟
كثيراً ما توصف رسوماتي بالحزينة، وقد يكون للألوان التي أستخدمها دور في ذلك؛ أقول ربما، ولكن بالعكس أنا لست حزينة بل إنسانة تحب الفرح والمرح والحياة.

ذو صلة