مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

إيريكا بالاس: الفن قوة إبداع عالمك الخاص

حوار وترجمة: حمد الدريهم: الرياض


تحاول الفنانة المكسيكية إيريكا بالاس نقل الثقافة المكسيكية إلى الآخر عبر لوحاتها الزاهية بالألوان، واكتشاف ما هو مشترك ما بين الثقافتين السعودية والمكسيكية لتعبر عنه بالريشة واللون.
التقيتُ بها، لأحاورها حول الفن وتجربتها في إعادة استخدام القطع، لتبث روحاً جمالية فنية فيها، ونظرتها للفن ورمزية (الصبار) و(الأزهار البرية) في لوحاتها، بالإضافة إلى موضوعات أخرى.. فإليكم الحوار:

من يتأمل لوحاتكِ يجد بعض الملامح الثقافية السعودية، والمزج بين ثقافتي المكسيك والسعودية.. هل يمكن أن تصفي تلك التجربة.. وهل هناك تشابهات بين الثقافتين؟
- أعيش في المملكة منذ اثنتي عشرة سنة، التصقتُ بالثقافة والناس، أحبُّ أن أُظهِر البلدين في الفن الذي أقدمه، وأشعرُ بأنني من هذا البلد أيضاً. هذا وطني يحتل جزءاً كبيراً في قلبي سيكون معي أينما سأذهب مستقبلاً. نحن نتشابه في نواحٍ عديدة مثل: الدين والأسرة والتقاليد، فتلك التشابهات مهمة جداً للبلدين، كما أننا نحب مساعدة الآخرين مثل السعوديين.
لديكِ تجربة في (الفن المُعاد تدويره)، كيف توازني بين ذلك الفن والرسم التقليدي.. وما المعايير لاختيار قطعة لإعادة تدويرها فنياً.. وما رأي الناس تجاه تجربتك في ذلك الفن؟
- ما يهمني في (الفن المُعاد تدويره) أنه طريقة أخرى لإعادة استخدام المواد التي تأخذ وقتاً لتتحلّل على هذا الكوكب. وتساعد أيضاً كي يبقى عالمنا آمناً وأقل تلوثاً. من الأفضل أن نعلق تلك القطع الفنية المعاد تدويرها على الجدران بدلاً من دفنها في التربة. إعادة استخدام المواد تبقى الخيار الأفضل طالما أنها ليست في الأرض.
بالنسبة لآراء الناس تعتمدُ على الإبداع الفني الذي أصنعه. أحياناً بعض الناس لا يلاحظون أنها (فن أعيد تدويره) مثل: أقنعة الوجه، استخدمتُ الكثير منها لصنع قطع فنية جميلة وأفتخرُ بأنها تحولت لقطع معلقة في بيوت الناس تجلب السعادة بدلاً من الحزن.
تتميّزُ لوحاتك بأنها غنية الألوان، هل هذا يعكس التنوع الثقافي والعرقي في المكسيك؟
- لوحاتي ليست فناً مكسيكياً تقليدياً، لكنني أضع اللمسة المكسيكية في (غِنى الألوان) على كل أعمالي. المكسيك بالنسبة لي مكان سعادة غني بالألوان، وتلك الألوان تحضر في حياتنا اليومية. ثقافتنا لها ألوانها ونفخر جداً بها ونشارك مع الآخرين قدر ما نستطيع في صناعة الحرف اليدوية في أي مكان.
نلاحظ أن (الصبار) و(الأزهار البرية) حاضرة في لوحاتك. لماذا التركيز على هذين العنصرين؟
- الصبار في الحياة اليومية للمكسيكيين مهم جداً. الصبار نسميه (نوبال) أو (التين الشوكي)، نأكله كنوع من الخضار، لذيذ جداً ومفيد للصحة. إنه تقليد في ثقافة الطعام لدينا. نجده بالقرب من كل بيت بالداخل أو حتى في الخارج إذ ينمو بصورة طبيعية. كما أنه يُباع في الأسواق جاهزاً لتحضيره.
في عَلَمِنا، ترى الصبار في المنتصف، يمثّل قتال المكسيكيين أوقات الحرب لأجل وطننا. الصبار نبات قوي جداً بجذوره، إنه رمز لمعنى البقاء.
الزهور بالنسبة لنا هي العذر لكل حدث، فهي في كل مكان لأي حدث أو موقف، كما أنها طريقة للتعبير عن السعادة في حياتنا. حتى في وفاة شخص ما فإن الزهور هي أول ما نقدمه لعائلته تكريماً لذلك الشخص المُتوفى، لذا أحب رسم الزهور.. إنها تعني الحياة .
كيف ترين حالة الفن بالمكسيك حالياً وأثر فريدا كاهلو عالمياً، لاسيما في لوحات الفنانين السعوديين؟
- في المكسيك هناك الكثير من الفن والفنانين الذين يستكشفون لحظات مهمة في تاريخ من التفاعل. مثل بقية العالم يمكن أن يمتد شغفنا أينما يكون فننا بلا نهاية، فشكراً للإنترنت والسفر. نحب الألوان في بلدنا ونُعبر بطرق عديدة بما تسمح به مواهبنا الكامنة. الأهم بالنسبة لي أن نبدع لأجل أنفسنا وأن نكون راضين عما نفعله، وإذا أُعجِب به الآخرون فذلك أمر جيد.
فريدا كاهلو تركت صورة ورسالة قوية جداً لكل النساء في لوحاتها وحياتها وقصتها. كانت مستقلة وقوية جداً. وعكست الكثير من تجاربها المريرة في لوحاتها، لكنها في الوقت نفسه عكست السعادة في واقع الحياة بغض النظر عن أي شيء. الزهور في قلبك تعني القوة والسعادة والإيمان بنفسك والشعور بالجمال.
كانت امرأة أنيقة جداً بشخصية كبيرة. أفتخر جداً بأنها مكسيكية تقليدية كما أنها فخورة بنفسها كما ينبغي لأي إنسان أن يشعر. أعتقد أن الفنانين السعوديين والعديد من الأشخاص حول العالم يشعرون بها، لذا نحب أن نرسمها حتى لو لم تكن تماماً مثل فريدا التي نعرف. نحب أن نرسم نسخنا الخاصة، فالفنان والفنانة يتعرفون على هُويتها ليصبحوا قادرين على رؤيتها.
هل يمكن أن تصفي لنا شعوركِ أثناء رسم اللوحة وبعد الانتهاء منها؟
- مشاعري أثناء إبداع العمل الفني، إنها لحظات ذاتية جداً. أنا فنانة ذاتية التعلم، لذا غالباً ليست لدي أي فكرة منذ البداية، لوحاتي تأخذ شكلها أثناء الرسم وبعدها أقرر ما الذي سأفعله، أتبع غريزتي وأمضي بلا تفكير أو تخطيط، لأستمتع فقط وأكون مسترخية وأكتشف كل فرشاة على اللوحة القماشية، فذلك يجلب إليّ الكثير من السلام والبهجة في حياتي. بالرغم من أن اللوحة تستغرقُ وقتاً، النهاية دائماً هي أجمل شعور على الإطلاق.
هل هناك أفلام أو كتب توصين بها للفنانين؟
بلا شك كتاب حياة فريدا كاهلو. وأنا معجبة بالأفلام الكلاسيكية، لاسيما بالأبيض والأسود. الأفلام المكسيكية أراها رومانسية جداً وتقليدية وبتمثيل واقعي جداً. في هذه الأيام التقاليد تغيرت كثيراً ومشاهدة تلك الأفلام تعيدني لذكريات رائعة جداً، لذا أوصي بأي فيلم كلاسيكي.
من وجهة نظرك، ما تعريف الفن؟
- أرى بأن الفن قوة إبداع عالمك الخاص. الفن يأخذك لأماكن لا تتخيلها ويمنحك أفضل ما فيك في كل زمن. إنه انتقال لبُعد آخر. الفن سيبقى دائماً هو المَخرج إلى أي مكان أفضل. أي شيء يُولّد الفضول يكون فناً.
لم تلتحقي بكلية أو مدرسة في الفن.. هل غياب دراسة الفن في حياة الفنان يمكن أن يؤثر على جودة أعماله وكيف ترين ذلك الأمر؟
- من تجربتي لا أظن بأن ذلك يشكل عائقاً أو يؤثر على الإبداع. إنه أمر شخصي لمن أراد أن يتعلم أكثر. لو أراد الفنان أن يبدع لوحة سيريالة ربما يحتاج للتعلم أكثر، لكن هناك الكثير من الفنانين الذين لم يدرسوا قط وكانت لديهم مهارات فطرية في رسم لوحات واقعية جداً.
في حالتي، أعتقد أن الفن الذي أقدمه يعتمدُ على اكتشاف الذات والمتعة وحبّ ما أعمله. وعدم رسم لوحة مثالية لا يعني أنها ليست فناً أو غير جميلة، فالنقص بحد ذاته فيه جمالية أيضاً مثل طبيعة الإنسان. نحتاج لنتعلّم تقبّل أننا جميعاً مختلفون ونحب الأشياء بتنوعها مثل أي شيء آخر في الحياة. بالنسبة لي لوحاتي مثالية كما هي، وفي كل مرة تمنحني أفضل ما لدي وذلك هو الفن.
ما هي مشاريعك الفنية مستقبلاً؟
مشروعي في المستقبل هو فتح (مقهى ومعرض للفنون)، مكان أستطيع تقديم دروس الرسم الحدسي للكبار، ويكون مقصداً للرسم ولشرب القهوة للأصدقاء والعائلة. آمل أن أجعله واقعاً مثل كل تلك التجارب التي أعيشها في المملكة الآن.
ما كلمتك الأخيرة في هذا اللقاء؟
كلماتي الأخيرة أن تستمتع بكل يوم أينما تكون، وافعل ذلك بحب وشغف، افعله لأجلك أنت. اِحلم أكثر واعشق حياتك مهما يكن. نحن وُلدنا لنكون سعداء وهذا ما نحتاج لنفعله.

ذو صلة