أطلق عليه المترجمون العرب والروس (شيخ المترجمين العرب من الروسية) تخليداً لدور الدكتور أبو بكر يوسف لما قدمه من جهود كبيرة في مجال الترجمة من الروسية إلى العربية، فهو أول مترجم ينقل الأدب من الروسية إلى العربية مباشرة دون وسيط لغوي آخر، وصاحب رصيد كبير من الكتب المترجمة وصل إلى 70 كتاباً لكبار الأدباء الروس، منهم ثلاثون كتاباً للأطفال، وهو أول عربي يحصل على عضوية اتحاد الكتاب الروس وأول عربي يحصل على وسام بوشكين من الرئيس الروسي تقديراً لدوره الذي يتحدث عنه مثقفو روسيا ومثقفو العالم العربي، فما من مثقف عربي قرأ في الأدب الروسي إلا وقد مر أمامه هذا الاسم الكبير.
الدكتور أبو بكر ابن العمدة يوسف حسين أبو جليل، الذي ينتمي إلى قبيلة الرماح بالفيوم، التي يكتب معظمها الشعر البدوي ارتجالاً، قبل سطوع مشروع يوليو 1952 الذي نشر المدارس والتعليم وأرسل النابغين في كل المجالات إلى الخارج لنيل الشهادات الجامعية والدكتوراه.
ولد الدكتور أبو بكر يوسف في 20 مايو 1940 في عزبة أبو جليل التابعة لقرية الحجر بمركز إطسا بالفيوم، في بيت جده العمدة الثري الحازم في تربية أبنائه، والحريص على حفظ أبنائه وأحفاده للقرآن الكريم. وله ثلاثة إخوة بنين، هم الدكتور سيد وهو شاعر وصاحب ديوان شعري.
كانت ظروف التعليم في القرى في ذلك الوقت صعبة لندرة المدارس واعتماد التعليم على الكتاتيب ولعدم وجود الكهرباء، ونظراً لهذه الصعوبات لم يجد والده العمدة حلاً يمكن أن يحقق طموح الأسرة في تعليم جيد لابنه إلا أن يعهد الأب إلى ابنه الأكبر الدكتور سيد يوسف (شقيق أبي بكر) الذي كان يعمل في الإسماعيلية أن يأخذه معه إلى مدينة الإسماعيلية ليدرس في (مدرسة الإسماعيلية الابتدائية). وأنهى بكر المرحلة الإعدادية عام 1955 متفوقاً على أقرانه، فتم إيفاده مع مجموعة من الطلاب المتفوقين من مختلف المدن المصرية لدراسة المرحلة الثانوية في (مدرسة المعادي الثانوية النموذجية للمتفوقين). وكانت باكورة تجربة فريدة تم فيها تجميع الخمسة الأوائل في الشهادة الإعدادية في مديريات (محافظات) مصر، واختار أبو بكر القسم الأدبي في العام الثاني من الدراسة الثانوية.
وفي أواخر 1958 نظمت (وزارة المعارف) مسابقة بين أوائل الثانوية العامة لاختيار 30، يُبعثون إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة في الجامعات الروسية المرموقة، للحصول على البكالوريوس ثم الدكتوراه. وكان أبو بكر (الأدبي) الوحيد من الثلاثين طالباً. وكانت سنوات الجامعة في موسكو غنية بالنشاطات التعليمية والعلمية والثقافية، وكثيراً ما كان (بكر) مركزاً للقاءات غنية بالفكر والسمر (شعراً وأدباً)، وبالمناقشات في هموم الوطن (المصري والعربي - سمة الفترة) ومشاكل السياسة.
يقول أبو بكر عن بداية وجوده في موسكو: (عندما وصلت إلى موسكو التحقت بكلية الآداب، وكان ذلك عام 1959، وجدت أن الدراسة في غاية الصعوبة لأن المادة التي كنا ندرسها وهي الأدب الروسي لم تكن معروفة لنا، ثم إن اللغة التي كنا قد تعلمناها خلال ستة أشهر فقط لم تسعفنا لفهم حتى 50% من المحاضرة الأولى التي تركت في نفسي انطباعاً سيئاً للغاية).
ويضيف: (لم نفهم أنا وزملائي السوريون الذين كانوا يدرسون معنا معظم ما قيل فيها، ولم نسمع حتى بأسماء الأبطال والروايات التي ذكرها المحاضر، لكن من ناحية أخرى لجأت جامعة موسكو إلى طريقة جميلة فعلاً في مساعدتنا، إذ خصصت لكل منا طالباً من الطلاب الروس في كل مادة، كانوا من الطلاب الذين يعيشون معنا في المدينة الجامعية، وبالتالي كانوا يساعدوننا في مراجعة الدروس، وفهم ما يعترضنا من عقبات في تلك الفترة الدراسية).
يقول أستاذ الأدب الروسي والمترجم العراقي د. ضياء نافع عن زميله حينها أبو بكر يوسف: تعارفنا عام 1960 في كلية الآداب بجامعة موسكو، وكان طالباً مجتهداً وملتزماً، ويتميز بالرقة والمرح والهدوء وروح المجاملة والابتعاد عن المواقف السياسية المتطرفة والمتشنجة، ليتفرغ إلى مهمة عميقة فقد كانت عيونه تتجه نحو شاعر روسيا الأكبر وتأثيره بوشكين. يقول أبو بكر: (ارتبطت به من خلال ترجماتي ومن خلال رؤيتي اليومية لتمثاله من نوافذ جريدة (أنباء موسكو) التي كنت أشتغل فيها في فترة من فترات حياتي).
وتزوج أبو بكر من زميلته في كلية اللغة والأدب بجامعة موسكو للدولة مارجاريتا، وقد أثمر هذا الزواج عن ابنين، (علي) الطبيب حالياً في أمريكا، و(جمال) المهندس حالياً في موسكو. وعاد معها إلى مصر عام 1964 ليعمل معيداً في كلية الألسن بجامعة عين شمس، ودرّس الأدب الروسي واللغة الروسية ومادة الترجمة، وتخرج على يده مجموعة من الأساتذة، ومنهم الدكتور ماهر سلامة.
يقول ابن شقيقه المهندس إسماعيل سيد يوسف: (عندما عاد عمي أبو بكر من موسكو إلى الزقازيق في الفترة من 1964 إلى 1966، وعاش معنا هذه المدة في منزل والدي الدكتور سيد أبو جليل، وقد حضر وفي جعبته ألوان شتى من الثقافة الروسية التي كنا لا نعلم عنها إلا القليل، وكان عمري وأختاي يتراوح ما بين العاشرة والثالثة عشرة، فأصبح منزلنا على بحر مويس بالزقازيق يصدح بموسيقى خاتشادوريان وتشايكوفسكي وبيتهوفن وشوبان، أحضرها معه في أسطوانات كبيرة وصغيرة الحجم عليها أغانٍ روسية أخرى لمغنٍّ روسي يغني لفيروز (البنت الشلبية عيونها لوزية). ولا تزال تتردد على مسامعي أغنية (درب قمري) الروسية. ثم تعرفنا على فن الباليه من خلاله وفرقة البولشوي العريقة وبحيرة البجع، وأخذ يدربنا على رقصة الفالس الشهيرة مع أختاي واحدة تلو الأخرى. وشاهدنا معه فيلم (هاملت) بالروسي، وتعرفنا منه على أبطال العالم الروس في الرياضة. وكانت ذروة السنام تلك المساجلات الأدبية بين أبي وأعمامي حول شعر صلاح عبدالصبور والسياب والشاعر الروسي يفتوشينكو، وكنا نلتف حولهم، وتأثرنا بأقواله وأفعاله أيما تأثر).
ولظروف سياسية عاد أبو بكر إلى روسيا عام 1972 (منذ أن استقر بها أدى دوراً كبيراً هناك، حيث كان بمثابة عمدة موسكو للطلاب المغتربين، كما عُرف أيضاً بشيخ المترجمين المصريين عن اللغة الروسية، نظراً لقدرته وتمكنه من اللغة الروسية والعربية أيضاً). وأسس أبو بكر مع الكاتب أحمد الخميسي نادياً بعنوان (المنتدى الثقافي العربي) في موسكو، ليكون بمثابة صوت للعرب في روسيا، وتمكنا من خلاله من مساعدة عدد كبير من المستشرقين الروس، خصوصاً في ترجماتهم للأعمال الأدبية العربية، وفي كل ما يخص الثقافة العربية.
بعدما عاد إلى موسكو ليكمل دراساته للدكتوراه، عمل مترجماً ومحرراً أدبياً في جريدة (أنباء موسكو) التي كانت تصدر باللغة العربية في موسكو. ومن قاعات تلك الجامعة دخل أبو بكر بقوة إلى عالم الأدب الروسي، وتتلمذ على أيدي مجموعة من كبار ومشاهير الأساتذة الجامعيين في روسيا خلال تلك المرحلة. حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب الروسي، وقرر البقاء في موسكو والتفرغ للعمل الترجمي في دار (بروغريس - التقدم) السوفياتية للنشر، ومن ثم في شقيقتها دار نشر (رادوغا).
يقول ابنه جمال: كان والدي محاطاً دائماً بما يمكن أن نسميه بالمجتمع الأدبي من العرب المقيمين في موسكو، من بينهم شعراء، أدباء، مترجمون، ومخرجو المسرح، حيث كانت الجالية العربية تعيش وقتذاك فترة حافلة بالأحداث والتطورات واللقاءات بشكل لم يكن له مثيل من قبل. فكان من أصدقاء والدي الشاعر (جيلي عبدالرحمن) من السودان، الأديب السوري (سعيد حورانية)، السينمائي (سعيد مراد)، الشاعر المصري (عبدالرحمن الخميسي)، إلى جانب صديقه وأستاذه الشاعر (نجيب سرور) ومجموعة كبيرة من الأدباء والمبدعين. وبشكل عام يمكن القول إن والدي كان على ملتقى ثقافتين أو حضارتين عظيمتين، وكان لوجود أمي المتخصصة في اللغة الروسية الدور البارز في نجاح (أبو بكر)، فقد كانا يتعلمان معاً، وكانت تساعده في فهم مغزى الكتاب. فكان في النهار يمارس الأنشطة الاجتماعية مع الجالية العربية، وفي المساء كان يخصص وقته كله للترجمة من الروسية إلى العربية، وأحياناً كان يؤجل العمل الاجتماعي ويخصص جل وقته للترجمة لينتهي من العمل في موعده.
يقول الكاتب أحمد الخميسي: (منذ أن استقر بكر في روسيا بعد 1972، أدى دوراً كبيراً هناك، حيث كان بمثابة عمدة موسكو للطلاب المغتربين، كما عُرف أيضاً بشيخ المترجمين المصريين عن اللغة الروسية، نظراً لقدرته وتمكنه من اللغة الروسية والعربية أيضاً).
أسس أبو بكر مع الكاتب أحمد الخميسي نادياً بعنوان (المنتدى الثقافي العربي) في موسكو، ليكون بمثابة صوت للعرب في روسيا، وتمكنا من خلاله من مساعدة عدد كبير من المستشرقين الروس، خصوصاً في ترجماتهم للأعمال الأدبية العربية، وفي كل ما يخص الثقافة العربية. وكان الأب الروحي للخريجين، وعميد المترجمين العرب، وتعلم على يده كثيرون اللغة الروسية والترجمة. وحينما زال الاتحاد السوفيتي وانفتحت أبواب الاستثمارات والشركات، وكان رجال الأعمال الروس بأمس الحاجة لهمزة وصل تقودهم إلى العالم العربي، عرض عليه الكثيرون أن يعمل معهم وأن يكون شريكاً فرفض. كان أبو بكر متمسكاً بالكبرياء البدوية التي تربى عليها في الفيوم، حيث ولد هناك لعائلة بدوية معروفة، وكان والده عمدة يكتب الشعر، وظل بكر يردد على أسماعنا من حين لآخر الأشعار والأمثال البدوية ويستعيدها حتى النهاية.
بدأت علاقة أبو بكر يوسف بالترجمة بأعمال الكاتب أنطون تشيخوف، وتوالت أعمال أبو بكر يوسف في الترجمة، فقد تقدم بمقترح لدار التقدم لترجمة الأعمال المختارة للأدباء الروس إلى العربية، فقوبل هذا الاقتراح بترحاب، وبدأت (دار التقدم) لأول مرة في إخراج سلسلة مؤلفات مختارة للكتاب الروس إلى اللغة العربية مباشرة من اللغة الروسية.
ترجم أبو بكر مؤلفات مختارة لبوشكين وليرمنتوف وغوغول وغوركي وكوبرين وشولوخوف، وأشرف على إعادة طبع ترجمات المترجم الرائد الكبير الدكتور سامي الدروبي لروايات دوستويفسكي الشهيرة وغيرها من المؤلفات الروسية الكلاسيكية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من مؤلفات الأدباء السوفيات، ومنهم جنكيز آيتماتوف وبيكوف وماركوف وغيرهم. وقد منحه اتحاد أدباء روسيا عام 2000 عضوية الشرف تقديراً له على مساهماته الترجمية الكبيرة هذه، وهو أول مواطن مصري وعربي يحصل على هذا التكريم الرفيع في تاريخ اتحاد أدباء روسيا. وحصل أبو بكر يوسف كذلك على ميدالية بوشكين عام 2012 لمساهماته العميقة والمتشعبة في تعريف القراء العرب بالأدب الروسي.
وقد ترجم أبو بكر يوسف قرابة السبعين كتاباً ضمتهم هذه القائمة التي أصدرها اتحاد كتاب روسيا وأرسلها لي الكاتب أحمد الخميسي.