مجلة شهرية - العدد (590)  | نوفمبر 2025 م- جمادى الأولى 1447 هـ

هدى النعيمي: وجدت نفسي أراوح بين علوم الفيزياء والكتابة الإبداعية

حوار/ رابعة الختام: مصر


الروائية والناقدة القطرية الدكتورة هدى النعيمي، لها بصمة فريدة في الرواية العربية تتخذ من البيئة الخليجية تكأة للسرد، معتمدة على دراستها للفيزياء النووية، كتاباتها خليط من بيئتها الشعبية حيث الدوحة برمالها والتحولات الاجتماعية في البيئات العربية.
قدمت النعيمي عدداً من التجارب الإبداعية تنوعّت بين الرواية والقصة القصيرة ومسرح الطفل، أبرز أعمالها القصصية: (المكحلة، أنثى، حالة تشبهنا، أباطيل، حين يبوح النخيل).
إلى جانب دراسات نقدية حول السرد والمسرح، منها كتاب (عين ترى).
شاركت النعيمي في لجنة تحكيم جائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) وجائزة (كتارا) للرواية العربية.
فكان معها الحوار التالي:
ما هي الكتابات ونوعية القراءات التي شكلت ذائقتك الأدبية؟
- السرد، وليس الشعر، الروايات العربية تحديداً، وهي ما احتوته مكتبة المدرسة، إذ إنني نشأت في بيت ليس به مكتبة، فوالداي تعلما القراءة والكتابة لدى الكتاب أو ما نسميه في الخليج (المطوع) من أجل تلاوة القرآن فقط، وليس للكتاب الخارجي مكان في بيتي الأول، فكانت مكتبة المدرسة بوابتي لعالم القراءة، روايات نجيب محفوظ، يحيى حقي، أنيس منصور، إحسان عبدالقدوس وغيرهم، ثم تنوعت القراءات، تعددت وتشعبت لتضم كتب التاريخ والدراسات.
ما هي أحب شخصيات هدى النعيمي الروائية إلى قلبك؟
- شخصية زعفرانة نفسها، الشخصية الرئيسة في روايتي الأخيرة، وهي سيدة عاشت نحو قرن من الزمان، من عشرينات القرن الماضي إلى الزمن الحالي تقريباً، ورغم الحقبة التي جاءت بها إلى العالم في منطقة الخليج، كانت لا تعطي للمرأة حقاً في تقرير المصير، وتجعل من دورها كأم، وراعية لشؤون البيت الدور الأوحد لها، إلا أن زعفرانة اختارت أن تكون كما تريد، والخروج على ما تقرر لها مسبقاً، وتبحث عن حياة خاصة ترضيها رغم الصعاب وقسوة الظروف المجتمعية، أتخيل دوماً كم من امرأة في منطقتنا العربية، كانت تحمل قدرة كبيرة لأن تكون قيادية ونموذجاً يحتذى به لكن الخضوع لإرادة المجتمع تركها حبيسة دور أوحد رسم قبل مئات السنين لكل النساء، زعفرانة شقت لنفسها طريقاً آخر، وهنا لا أنظر إليها بمنظار الصح والخطأ، لكن أنظر إلى حقها في الاختيار وهي لم تتخل عنه لقناعتها به.
عانت غياب الزوج الذي شارك في إحدى الحروب، كما عانت غياب الأولاد الثلاثة الذين اختار كل واحد منهم عالماً ليعيش فيه، فتناثرت حياتها ما بين قطر وظفار وبغداد والقاهرة وعدن. والرواية تدور حول الحب والحرب والموت والحياة، ويعيش أبطالها حيوات مختلفة، وتشكل الأسطورة حيزاً من جوهرها.
ما بين الفيزياء النووية الجامدة وبين الكتابة الإبداعية الشفيفة مساحة كيف قفزت عليها؟
- الحقيقة لم أشعر يوماً بهذه المساحة، فطالما كانت الفيزياء قريبة مني بل هي جزء مني، وعندما اخترتها مجالاً للتخصص العلمي كان ذلك عن حب، واقتناع وليس من باب التجمل، أو الدفع من الخارج، فيزياء الإشعاع تعطي مساحة كبرى للخيال، بل الإشعاع نفسه متخيل، لكنه موجود حولنا في كل مكان بكثافة، يؤثر فينا دون وعي مباشر، ظاهرة الإشعاع، وكل الجسيمات الدقيقة كما الإلكترون والبروتون، لم نرها يوماً بالعين المجردة، ولم تصورها أعتى الكاميرات الإلكترونية، لكن العلماء استطاعوا تخيل شكل الذرة، وما تحتويه من جسيمات، ويقدموا معادلات تحسب الشدة، والكثافة، وقوة التفاعلات داخل الذرة، وداخل نواتها متناهية الصغر، أليست هذه قدرة عجيبة من الفيزيائي على الخيال؟
الكاتب والمبدع يرسم عالماً متخيلاً أيضاً، هكذا وجدت نفسي أراوح بين علوم الفيزياء والكتابة الإبداعية، دون شعور بالفرق بينهما، فهذه مساحتي وتلك مساحتي، وكلاً منهما تثري الأخرى.
زعفرانة في بلدة الذخيرة القطرية، امرأة لها هدف في الحياة، ومريم المتمردة رغم أن السرد يظهرها بمظهر المفعول به لكنها فاعلة ومؤثرة، كيف تنتقين شخصيات روايتك؟
- سمعت كثيراً من روائيين، أن الشخصيات نفسها تشق طريقها، وتختار مصائرها أثناء الكتابة، وسمعت من يقول: شخصياتي تمردت علي، نعم أوافق على هذا القول، تبدأ الشخصية مرسومة، محددة الملامح قبل الكتابة، لكنها تتشكل وتبدأ بالحركة واتخاذ الأفعال خلال كتابتها، زعفرانة أردت لها أن تكون متمردة، فهل وصلت للقارئ غير ذلك، وأردت لمريم أن تكون أنموذجاً لتغيرات المجتمع.. فهل نجحت؟ الشخصيات الروائية في زمن الكتابة تكون فاعلة ومتفاعلة مع بعضها البعض، مليئة الحركة، والنشاط وردود الأفعال، قد لا أكون اخترت هذا الطريق لشخصية ما منذ البداية لكنها بالتأكيد من صناعتي، هكذا هي الشخصيات الروائية، ولن أكون قادرة على تحليل وتبرير كل أفعالها وتحركاتها، لقد خرجت من يدي ليد القارئ ليقول قوله فيها، وله كامل الحرية في وجهة القراءة.
في (حين يبوح النخيل) تماس بين الفيزياء والبيئة القطرية فهل تؤثر دراستك على الكتابة، كيف ذلك؟
- الكاتب ابن بيئته. لا شك عندي في ذلك، مهما حاولنا الخروج عنها فنحن نحملها بداخلنا، تأخذ الفيزياء حيزاً من (حين يبوح النخيل) كما تأخذ البيئة والبيت والمجتمع والعمل حيزاً كبيراً، فهذه سيرتي الذاتية، أو أنها سير رواية، كُتبت بروح الرواية وليس التاريخ والتوثيق، ورغم ذلك فهي ليست بعيدة عن التوثيق، حيث أذكر المدرسة الأولى، والأيام الجامعية، بيت الطالبات الذي عشت فيه بالقاهرة لسنوات، قد تكون كتابة هذه السيرة بالدراسة، وبكل ما حولي، هذا طبيعي، وأظن كل كاتب يضع من سيرته شيئاً في روايته، خصوصاً الرواية الأولى، لكني كتبت (حين يبوح النخيل) في شكل سيرة صريحة، تحررت لحد ما من إعادة كتابة نفسي، وما حولي في الروايات التالية، أعتقد (زعفرانة) لا تحمل الفيزياء في طياتها، أما البيئة القطرية والخليجية، تكون معي في كتاباتي القادمة ولا ضير، إذ لن أكرر نفسي في كل نص قادم.
هل تؤمنين بمصطلح الكتابة النظيفة كمعادل موضوعي للكتابة الجريئة؟
- المصطلح ملتبس، كل قارئ يقرأه بشكل مختلف، ولا أستطيع رفضه أو قبوله بشكل عام، حتى كلمة (جريء) عامة وواسعة جداً، هناك سقف للجرأة عند كل كاتب، وسقف عند كل قارئ، لن أجاري هذه المصطلحات، وإذا رأى الناقد استخدامها في الكتابات النقدية، فهذا شأنه الخاص، وهو يتحدث عن سقفه الخاص لحرية الكتابة، وحدوده الخاصة لحرية التعبير، هذه قضية كبرى تشغل العالم بأسره، وليس الكتاب العرب فقط، أنا شخصياً لا أحبذ استخدام مثل هذه المصطلحات، ولن أصادر حق الآخر في استخدامها.
تمتلئ روايتك الأخيرة زعفرانة بصور مشهدية وتقطيع سينمائي، فهل تودين تحويلها إلى عمل سينمائي، أم أن لكل كتابة سواء سردية أو سينمائية خصوصية؟
- لم يكن في تصوري أو تخيلي تحويل الرواية لعمل سينمائي وقت كتابتها، لكنني لن أرفض أن تتحول لشاشة السينما إذا وجد فيها مخرج ما يمكن تحويله إلى السينما برؤيته الخاصة، المشاهد التي كتبتها من خلال فصول زعفرانة، تشبه المذكرات لشخصيات الرواية، فإذا كان لها يوماً أن تتحول للسينما، فسوف تحتاج إعادة كتابة بشكل متخصص في هذا الفن، ولا أظن الرواية بالشكل الحالي يمكن أن تصير شريطاً سينمائياً دون وسيط مبدع، يتفهم العمل الروائي، ويتقن الفن السينمائي وكتابة السيناريو كي يصل بها إلى عمل على الشاشة.

ذو صلة