مجلة شهرية - العدد (577)  | أكتوبر 2024 م- ربيع الثاني 1446 هـ

تجريد مخلد

صَحَا بلدي والنومُ فيه مُجَدَّدُ
        فهلْ يا فتى تصحو ولا زِلْتَ ترقُدُ؟

يُجَمِّله هذا النعاسُ إلى متى؟
        وحتام تشبيبي بنومك يَسْهَدُ؟

كأنَّ على (المنيا) التي هي بِنْتُهُ
        كؤوس حليبٍ لا تباشِرُها يَدُ

أنادي عليها رغم أني مجاوِرٌ
        وأبدَؤُهَا الشدوَ الذي يَتَوَقَّدُ

أصيح بها يا مصر ليلكِ مضجِرٌ
        أليس لنا إلا النبيذ المجَوَّدُ!

مُسَهَّدَةٌ هذي الزجاجات كلها
        وهذا فؤادي أو زجاجٌ مُسَهَّدُ

على أيِّ حَبْلٍ سوف أغْسِلُ عِمَّتِي
        وكان برأسي طيفها المُتَوَدِّدُ

أَتَجْرِي إِلَيَّ الآن مثل غزالةٍ
        سيُنْهِكها الصيادُ وهو يُسَدِّدُ

أُعَضِّدُهَا حيناً وأحضنُ شُرْفَةً
        تدانتْ لكفي إِذْ شَرَعْتُ أُعَضِّدُ
تَمَشَّى فؤادي في الشوارع مغرباً
        وفي كل ركنٍ عسجدٌ وزمردُ

يُسَدِّدُ فيها كُلُّ ضوءٍ رِمَاحَهُ
        كَأَنَّ كُمَاةً فَوْقَها تَتَرَدَّدُ

عليها صَفَارٌ مثل عينِ يراعةٍ
        تُخَضِّبُهَا الأصباغُ حين تُجَوِّدُ

فمِنْ سالفِ الأيامِ يزهو بها ثرىً
        وها قد تغناها الجدودُ وغَرَّدُوا

يُمَالِئُهُمْ هذا التلوُّنُ كمْ أرى
        تماثيلَ يَبْنيها لجينٌ وعسجدُ

بِهِمْ جِنَّةٌ تَجْرِي وتجري ملائكٌ
        على روحِيَ البيضاء وَهْيَ تُشَيِّدُ

فإنْ كنتُ بَنَّاءً فهذِي هِوَايَةٌ
        وإنْ رُحْتُ أَبْنِي أيُّ عُجْبٍ أُنَضِّدُ

أَأَبْنِي جماداً من صخورٍ تَمَرَّدَتْ
        لها ذلك الزَّهْوُ الأنيقُ المُمَرَّدُ

وإنْ كان كالأهرامِ يَعْلو مَهابةً
        فلا جاوزَ الأفلاك وَهْوَ مُقَيَّدُ

وإنْ كُنْتُ أَبْنِي سَوْفَ أَبْنِي سَبَائِكاً
        قصائد من روحي تُصَفَّى وَتَبْرُدُ

يَطُولُ نسيجُ القولِ يَقْوَى قوامُه
        قَوِيٌّ ولكنْ ناعمٌ ومُجَرَّدُ

فَخَلَّدنِي قولٌ أجلُّ حضارةً
        ويا بانيَ الأحجارِ لَسْتَ تُخَلَّدُ

ذو صلة