مهمل على رفِّ الحياة، اعتاد الجميع على رؤيتي شبح، صار وجودي وغيابي سيان، لذا غرقت في أحلام طفولتي علّها تنجدني من عالم لا مكان لي فيه.
صراخ يعلو في منزلي صباح مساء، لا أُجيد التعامل معه، ربما أجهل سببه الحقيقي، حاولت كثيراً فهم ما يجري فلم أجد سوى مزيداً منه، لذا صارت غرفتي ملجأ انعزالي الدائم.
من علّم الآباء أن الصراخ هو لغة التفاهم بينهم؟
مرات عدة أسمعهم يتحدثون عن كوني العائق في عدم هروبهم بعيداً، لكنني أجهل تماماً ما الذي فعلته ليكون عقابي مزيداً من التخلي والحرمان.
ربما لم تمنحني الحياة غير الكثير من الصراخ وأنا الذي لم ألجأ إليه قط، فهربت إلى عالم من أحلامي الصغيرة لا يوجد بها سوى الهدوء والأمان.
على أطراف قريتي الصغيرة حلمت أن أبني بيتاً فوق شجرة التوت العملاقة حيث هدوء بلا صراخ، ربما حلمت أيضاً أن أصبح أنا شجرة التوت تلك، تتحمل كل حجارة الصغار وتغدق عليهم ألذ توت كل ربيع، لا ترفض طلباً لأحد، تمتص رغبتهم الشديدة في التلذذ بمذاقها وربما تستمتع بمسابقة الأطفال الأكثر حظاً في حصد الكثير منها، لا تبالي.. تعطي بسخاء.
أردت أن يعطيني أحد المزيد من الحب!
أن أكون أنا مصدر السعادة لهم.
لكنني مررت يوماً جانبها فوجدت قرار التخلي عنها أصبح واقعاً لا محالة، هرعت إلى غرفتي أحاول التغلب وحدي عن تخلٍ قادمٍ إليّ.
أجد التخلي شبحاً يحاوطني، يلف جنزيراً حول عنقي، تضيق عليّ الأرض بما رحبت، أصرخ أخيراً ولكن لا أحد يسمعني.
كيف أصبح التخلي بتلك السهولة أمراً عادياً؟
وما الذي يمنع والدايّ حقاً من التخلي عني؟
مرة أخرى لجأت إلى أحلامي فوجدتني أصبحت بحراً، حيث الموج الهادئ والجمال الأخاذ، أمتص كل حكايا العاشقين وأمنياتهم، أود حقاً تحقيقها لهم، وأمتلئ بالكثير من رسائل الحب غير المعلنة.
لكنه يوماً ما تخلى عن هدوئه وابتلع أحدهم.