إنها الثانية عشرة وعشر دقائق بعد منتصف الليل.. أغلقت الباب والنوافذ واستلقيت على فرشتي.. أطفأت الأنوار واضأتُ أنوار حواسي كلها.. وأنصت.. فلا أسمع إلا نبضات قلبي.. ولا أرى إلا ضوء شمعة نافذتي الإلكترونية تضيء صفحتك الافتراضية.. نظرتُ اتساق النغم في حروفي، كلها تقول أحبك، تتراقص (أحبك) في زوايا كل الكلمات ترتعشُ الهمزة في أولها وتسكن الكاف في آخرها، وأسقط مغشياً عليّ عندما تقبلني حروف اسمك.. بربكَ.. أقبلي إليّ لأقتص من أشواقي وكل دقائق الانتظار..
- قالت: نحن مجرد أصدقاء افتراضيين! لمَ كل هذه الدراما؟
جعلت أتامل الكلمات مبهوتاً، ولا أجد جواباً، فأنا الذي نسجت في خيالي الحكاية كلها، صممت بدايتها.. زينتها.. كتبت فيها نصوصاً.. تتمنى الغيد أن تكون هي الموصوفة فيها.. وجعلت لها نهاية سعيدة.. ربما تصبح حقيقة.. هكذا يقول كتاب (السر).. قانون الجذب..
لم يدر في خلدي أبداً أن أسمع منها هذا القول أو أراه مكتوباً.
رغم صبري الطويل ما كنت أظن أن أستجدي نظرة إلى وجهها المجهول.
ههههه.. ربما تصلح أن تكون قصة قصيرة أو طويلة..
- قلت: لا يهم، ربما بالفعل كنتِ فقط افتراضية بالنسبة لي أيضاً وكنت فعلاً أمثل عليك دور العشق..
تدرين.. فعلاً أنا لا أحبك.. أنت مجرد سيل من الإلكترونات تتقافز على نافذتي الإلكترونية.
وأنا مثل ذلك بالنسبة لك، مجرد إلكترونات، فلا تحزني.. ذلك لن يضرك بشيء، فقدان سيل من الإلكترونات لا يُؤلم ولا يُحزن.. ربما.
كم لبثنا؟.. يوماً؟ أو بعض يوم.. أرقت دمي قرباناً للقبيلة؟.. بربك ألم يكن هناك حيلة؟ بعثرت الأماني، لم يكن بيني وبينك سوى أمتار قليلة، نار وقهوة هيل وبستان نخيل، الديار ليست دياري وأنا لست أنا.
الألم والحزن يا سيدتي.. يكون لأني امتزجت فيك كلي، في دقائق الجسد والحكاية، في ترنيمات الخاطرة، أنت أنا وأنا لم أعد أنا، ثم أستل إلكترونات طيفك مني.. نعم هنا.. تكون الدراما..
- قالت مرة أخرى: ولكن لمَ كل هذه الدراما؟ مجرد صورة.. وجه عادي.. جمال عادي.. طلاء أحمر للأظافر.. فستان أسود.. شعر متموج.. عيون عليها ألوان زينة عادية..
كل شيء عادي.. إذاً لمَ كل هذه الدراما؟ (تستدرج مدحاً اعتادت عليه مني).
يا ويح قلبي، كل هذا لأنها فقط لم ترسل لي صورة.. يا لهول الموقف.. هي مجرد شخصية افتراضية.. قانون الجذب هذا أتلف عقلي.. بالتأكيد.. ههههه
- قلت: نعم.. عندك حقك.. إنه شيء مثير للسخرية..
- قالت: لا.. ليست سخرية والله.. ولكن خفت أنه قد ذهب عقلك.. هكذا يبدو من كلامك..
ربما بالفعل.. امرأة واحدة لا تكفي.. في هذا الفضاء الافتراضي.. يجب أن يكون لديك الكثير منهن حتى يتفرق دم جرحك.. بينهن!
- هدئ من روعك.. أنت أفضل من هذا سيدي.
- لا عليك سيدتي.. الهدوء يلفني ويلف المكان.. صمت وصمت.. فالضجيج تبعثر في أطراف جسدي المتهالك وتسربت اهتزازات من أطرافي.. حتى لوحة المفاتيح صامتة.. تعمل باللمس.. نحن أصدقاء.. وسنظل كذلك.
لا عليك سيدتي.. سأنساك.. بمجرد أن ينتهي شحن البطارية.. أنت بالنسبة لي.. صديقة بلا ملامح.. تختفين بمجرد انقطاع التيار.. ولا أحب الآفلين..
لا.. لست حتى صديقة.. كنت أكذب عليك.. وأقول إنك كذلك.. أنت لا شيء.. لا شيء.. فعلاً من أنت؟! لا أدري من تكونين.. ولكن الأكيد أني لا أحبك منذ الآن.. نعم هذا أكيد.
والحقيقة أنني حتى ربما لم أكن أحبك في السابق.. هل فعلاً تصدقين رجلاً.. يحب امرأة بلا ملامح.. لا يستقيم الأمر..
يا إلهي.. لم كل هذا الارتجاف؟ هل مرت عاصفة الثلج من هنا؟ لم أصبحت ألوانك باهتة؟ لا تتركيني الآن، أرجوك لا تغلقي عينيك.. شعاع السحر انحسر.. إنها الأنفاس الأخيرة.. يا للهول.. انتهى كل شيء.. ظلمة عمت المكان والزمان.. انتهى شحن البطارية.. ماتت.. وانطفأ الجوال!