مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

تحية على تحية

قبل أشهر فاجأتني (المجلة العربية) مثلما فاجأت الكثير من محبيها في عددها 552 حينما خصصت تحية العدد لأخي وصديقي العزيز الشاعر الأستاذ إبراهيم حلوش، من خلال بورتريه العدد، أقول فاجأتني لأنني اعتدت على أن تذهب مثل هذه الأماكن المهمة في المجلات والصحف العريقة إلى أسماء ذات تجربة عمرية طويلة، في الحين الذي تكون فيه بعيدة المنال عن توقعات الشباب والأجيال الجديدة، لكن الروح الحية والحيوية التي تمضي إليها بلادنا الغالية وتراقبها الدول والشعوب بدهشة كبيرة، تبرهن على أن المجلات العريقة وفي طليعتها (المجلة العربية)، ليس محلياً بل على مستوى القطر العربي الكبير، بقيادتها الشابة وطاقمها الشاب، تمضي إلى ذات الغايات التي يسير في إطارها السياق الوطني العام، وتتناغم أيضاً مع ذات الإيقاعات التي تدوزنها رؤية البلاد ككل، ولهذا لم تعد التوقعات في مختلف الاتجاهات مغلقة على ما استقر وساد، بل مفتوحة منفتحة على كل جديد وجميل ومتطور ومتحدث، فشكراً لـ(المجلة العربية) العزيزة جداً.
أما صديقي العزيز إبراهيم، فيشرفني أن أكتب إليه عبر مجلتنا العريقة هذه الكلمات الخجلى:
على رحاب موجةٍ في (بيش) كانت ابتسامته الأولى للحياة، لأن النبلاء يُخلقون بضحكة بدلاً عن الصرخة.
ساقته الأقدار في وقتٍ مبكر إلى دندنة هواجس روحية كانت تتشكّل على هيئةِ كائنٍ نورانيّ اسمه (الشعر)، في مرحلته الجامعية نضج هذا الكائن بما يكفي لأن يُصافح المنابر وصفحات الأدب وأن يحضر في أوساط جماعة الشعر المُشكّلة في نادي أبها الأدبي آنذاك.
في كلية المعلمين في أبها كان الطالب/ الشاعر الذي مثّلها على مستوى المملكة في أكثر من مناسبة، عائداً منها بأكثر من جائزة، منحته سيادةً يستحقها في مشهد الشعر على مستوى الشباب.
أصرّ هذا الكائن إلَّا أن يكبر معه، وأن يكون إلى جوار جِنانه وحرائقه وجنونه وتجلياته، فأزهر ديوانه الأول (أنثى تحرّر الوجع)، وأزهر ما لا يقلّ عن عشرين أوبريتاً وطنياً، وجوائز شعرية عدّة آخرها جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي.
إبراهيم حلوش من القلائل الذين جعلوا للقصيدة وجهاً إنسانياً قد لا يعرفه الشعر أحياناً، فلا تستمع إليه إلّا وتتوافد إلى روحك معاني النقاء والنبل والبياض، فلم تنفصل قصيدته عن أخلاقه، وكأنّ إبراهيم الإنسان هو تماماً إبراهيم القصيدة، دون أن يُنقص ذلك من قمة الإبداع درجة واحدة.
أخيراً لا أعرف شاعراً يستطيع أن يصنع بصمةً استثنائية في كل مرحلةٍ شعرية يمرّ بها مثلما يفعل إبراهيم حلوش، فقصيدته قبل عشرين عاماً تُقرَأ وتُمتِع، وقصيدته اليوم تُقرَأ وتُدهِش، وكأن بينه وبين الصعود بالإبهار والإمتاع والتجدّد ميثاقاً غليظاً.
قبل أن أضع النقطة الأخيرة في هذه المساحة أريد أن أخبركم أن إبراهيم حلوش رهانٌ شعريّ عربي كبير أجزم أن القصيدة العربية لن تشيخ في وجوده، لأنه يعرف تماماً كيف يخلق دهشتها كما يليق بكائن كان وما زال وسيظل ديواناً أصيلاً للعرب.

ذو صلة