مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

ثوابت وقداسة في وجه التحديات

لا شك أن القيم الإنسانية من أبرز ثوابت المجتمعات، وبخاصة الدينية منها والاجتماعية، والقيم في كافة مستوياتها تشكل تحدياً كبيراً للشعوب والأمم، حيث لا تنفصل عن هموم وقضايا الشعوب في الأقطار المختلفة، وتمثل إرثاً قيِّماً لا مجال للتفريط فيه، بل يعد المساس بها من أبرز أولويات مهددات الأمن القومي، فمجتمع بلا قيم لا خير فيه ولا رجاء منه.. وهذا الإرث القيم قاد دولاً كُبرى للسعي خلف الهيمنة على العالم، بادعاء التحرر وافتراض أن ما تملكه من القيم قيم عالمية من خلال مساهمة مؤسسات اقتصادية كُبرى في غزو السلوك البشري في جوانب الإنتاج وتسويقه للاستهلاك، فهي محاولات لن تفلح في غزو المجتمعات المحافظة والمتمسكة بقيمها رغم استمرار وتعدد سبل السيطرة، وتفكيك كل مجتمع يتمتع بالثراء في امتلاك القيم الأصيلة دينيّاً وإنسانيّاً واجتماعيّاً، ولا خلاف في أن القيم هي الركيزة الأساسية والأهم في ضبط المعاملات بين الناس، وبها يتحقق البناء والتطور المتنامي في أوساط المجتمعات رغم تسارع الهيمنة.
ومن هذا المنظور يأتي وجوب التمسك بها كقيم نبيلة تحظى بالفخر والقداسة في الحفاظ عليها من فروض ودواعي الاستلاب الممنهج.
وفي لفتة تؤكد ضرورة وحتمية التمسك بالقيم بشتى السبل والمساعي الحثيثة لمناهضة ما تعمل عليه كُبريات الدول في تطبيع مفاهيم لا تتسق مع قيم المجتمعات الأصيلة، تضمنت كلمة ولي عهد المملكة العربية السعودية التي ألقاها أمام حكام وزعماء الدول في (قمة جدة للأمن والتنمية)، حيث جاء في نص خطابه الرسمي «قيمنا النبيلة، التي نفتخر بها ولن نتخلى عنها، ونتمنى من العالم احترامها كما نحترم القيم الأخرى، بما يعزز شراكاتنا ويخدم منطقتنا والعالم» وهذا يمثل جوهر التحدي وقوة مجابهته بالصرامة الحكيمة.
وتمثل قمة جدة للأمن والتنمية إحدى ركائز السعي لوضع إطار شامل لوحدة جديدة تسهم في معالجة الكثير من القضايا المهمة، من ضمنها: المعنويات العميقة التي تتحلى بها قيم الإنسانية من خلال بعث الأمل في شباب المنطقة العربية، وضمان مستقبلٍ يُمَكِّن من تحقيق التطلعات التي من خلالها يُمْكِن تصدير القيم -التي لن تنفك الشعوب عن التمسك بها- للعالم وفرض احترامها، والاحترام هو الأساس الذي يعزز الشراكة مع دول الغرب ويخدم المنطقة العربية والعالم أجمع، ليس على مستوى الاقتصاد والسياسة وبقية المصالح المشتركة، بل على مستوى القيم، وهي إرث تحاول الثقافات الدخيلة السيطرة عليه وهدمه. وقد ظلت بعض دول الغرب تحاول كرة بعد كرة لتحقيق ذلك باستخدام كافة الوسائل، وفي مقدمتها الصناعة الثقافية والإنتاج الفني في جانب السينما وبقية أجناس الفنون الأخرى.. لقد أصبحت المجتمعات في الوطن العربي غير رافضة للتحديث بما يتماشى مع قيمها النابعة من الهُوية والمكتبسة بفطرة خُلق الشعوب والأمم عليها مع احترام قيم الآخر، وهذا لا يعني التسليم للانجراف نحو قيم أخرى، إذ للمجتمعات وعيها المحارب لكل ما يُفرض عليها من استلاب يحاول طمس هُوية القيم المعنوية العميقة لدى الدول المحافظة. وتقف الأسس المرجعية سنداً وسدّاً منيعاً لمواجهة التطور المصنوع بوازع الحداثة الموجهة والحريات الداعية للانحراف أو الحياد عن الطريق القويم.

ذو صلة