كرمته السعودية بجائزة الملك فيصل في الآداب سنة 1980م، ونال التقديرية من مصر سنة 1985م، وتولى عمادة آداب عين شمس، ورأس تحرير أربع مجلات أدبية (الشعر، والمسرح، والمجلة، وإبداع).
في مطلع التسعينات من القرن العشرين التقيت قبل ثلاثين عاماً بشيخ النقاد د.عبدالقادر القط في ملتقى أسبوعي كان يُعقد صباح كل يوم جمعة في مقهى عصري في حي مصر الجديدة، قرب منزله، وكان آنذاك رئيساً لتحرير مجلة (إبداع) التابعة لوزارة الثقافة، وفيها نشر قصائد ما بعد التفعيلة في باب اسمه (تجارب)، وعرفت أن لناقدنا ديواناً وحيداً من الشعر الفصيح والعمودي، ولكني لم أعثر على نسخة منه، حتى كانت المفاجأة يوم كنت أتفحص كتباً قديمة للبيع، فعثرت على نسخة جيدة للديوان، والمفاجأة الأكبر أن النسخة هدية منه لمكتبة كلية التربية في جامعة المنصورة، والنسخة صادرة عن هيئة الكتاب المصرية سنة 1987م بغلاف للفنان جمال قطب.
وُلِد الناقد الأدبي د.القط في 10 أبريل سنة 1916م في مدينة بلقاس قرب المنصورة بشرق دلتا مصر، ورحل في 16 يونيو سنة 2002م، وكان قد تلقى تعليماً تقليدياً بدأه بحفظ القرآن الكريم، وفي القاهرة التحق بالمدرسة الثانوية التوفيقية، ثم التحق بكلية الآداب، قسم اللغة العربية، في جامعة القاهرة، ثم عمل أميناً في مكتبة جامعة القاهرة مع صديقه الناقد د.عبدالعزيز الأهواني، وبعد الحرب العالمية الثانية سافر إلى بريطانيا للحصول على الدكتوراه حول الصراع بين أنصار المتنبي وأبي تمام، وعاد أستاذاً للأدب في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وترقى في مناصبها حتى أصبح عميداً لها سنة 1972م، وفي الشأن الثقافي العام رأس تحرير مجلة الشعر سنة 1964م، ثم رأس تحرير مجلة (إبداع) سنة 1983م، وفاز بجائزة الملك فيصل العالمية في الآداب سنة 1980م، ثم جائزة الدولة التقديرية في مصر سنة 1985م.
أتذكر حواري معه قبل ثلاثين عاماً، وكانت عناوينه كما أحتفظ بها كالآتي:
«أصدرت ديواني الوحيد بعد 15 عاماً من هجري للشعر، وكتبت مقدمة أعيبه فيها وأنتصر للشعر الحر».
«رغم رفضي لتسمية الحداثة والحداثيين نشرت إنتاجهم في مجلة (إبداع) تحت باب (تجارب)».
«جميع خصوماتي الأدبية انتهت غالباً معي باتهامات سياسية ومتاعب وظيفية».
«الدعاوى الكبيرة مثل تفجير اللغة مرفوضة، والمهم أن يحقق المبدع التواصل مع المتلقين».
«أعترف أن النصوص العامية أسهل تأثيراً في الجمهور من الفصحى، إلا أنني لم أنشرها حتى لا تزاحم الفصحى».
«أميل إلى النقد الشامل وأقول إن كل نص يستدعي منهجه النقدي الخاص به».
«أعتز بكتابين لي أيما اعتزاز، هما: الشعر الإسلامي والأموي، والاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، وأعتز بإشرافي على مجلات: الشعر، والمسرح، والمجلة، وإبداع».
«أقف من قصيدة النثر موقف الحذر، واعتراضي عليها في المعنى واللفظ؛ لأن القصيدة في جميع لغات العالم تقوم على الإيقاع المطرد، وأتذكر من كتبوا شعراً منثوراً في الماضي مثل: الرافعي، والمنفلوطي، وطه حسين، وأحمد حسن الزيات، وحسين عفيف، لم يكن شعراً ولكن به روح الشعر».
أما المفاجأة الأدبية السارة التي عثرنا عليها لديوانه الوحيد بخط يده، فقد طبعته هيئة الكتاب المصرية سنة 1987م، وكتب بخط يده في غلافها الداخلي: (هدية إلى مكتبة كلية التربية، جامعة المنصورة، مع تحياتي، عبدالقادر القط)، والإهداء مؤرخ في 31 مارس سنة 1995م، والكتاب مسجل بالمكتبة برقم (2238). أما لماذا كلية التربية تحديداً، فقد تتبعت الأمر وعلمت أن شقيقه كان أستاذاً بها، ومن هنا ربطته بها صلات ثقافية. أما كيف وصل إلى يدي وهو مسجل بمكتبة الكلية، واشتريته من بائع كتب قديمة، فقد أكد لي صديق أكاديمي أن جميع مكتبات الكليات تتخلص بعد فترة من بعض كتبها لتفسح المجال لغيرها، فكان حظي سعيداً بوصول الكتاب إلى يدي دون جهد أو ترتيب مسبق!
الديوان بتقديم صديقه الناقد سمير درويش، وهي مقدمة طويلة جاءت في 35 صفحة، ثم تلاها مقدمة صاحب الديوان د.القط حين نشر الديوان لأول مرة، ولذلك هي مؤرخة في 10 ديسمبر سنة 1958م، وهي طويلة أيضاً. ومن صفحة 71 حتى صفحة 200 يضم الديوان القصائد الـ22 التي يتألف منها، وكلها عمودية فصيحة، وليس فيه من الشكل العمودي الموحّد القافية سوى أربع قصائد: من (الطويل) اثنتان، ومن بحر (البسيط) واحدة، ومن بحر (الخفيف) واحدة، وبقية القصائد على نظام المقطوعات أو الرباعيات المتغيرة القافية، ومعظمها من بحر (الرمل) ومجزوئه تسع قصائد، ومن مجزوء الكامل ثلاث قصائد.
كتب د.القط هذه القصائد كما اعترف بداية من سنة 1941 ولثلاث سنوات، وكان يشارك في جلسة شعرية يومية في جامعة القاهرة مع صحبة ضمّت: محمد العلائي، وشوقي العريان، وأنور المعداوي، وإسماعيل النحراوي من قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وضمّت من قسم اللغة الإنجليزية: ياسين العيوطي، ومن قسم الفلسفة: عباس أحمد، ومن قسم الدراسات القديمة: أمين عز الدين، ومن كلية الحقوق: محمد عودة، وعز الدين فودة، وإسماعيل صبري عبدالله، وناهيد أبو زهرة، وحسن فتح الباب، ومن خارج الجامعة: عبدالرحمن الخميسي.
عاد د.القط من بعثته إلى بريطانيا مطلع الخمسينات بعد أن حصل على الدكتوراه، ووجد شعره لا يزال قابلاً للنشر، فجمع قصائده ونشرها بمقدمة شارحة سنة 1958م، وهو ديوانه الأوحد الذي يؤكد انتماءه الأصيل لمدرسة (أبولّو) الشعرية الرومانسية الحالمة.
يقول في قصيدته قلق:
أي إحساس بصدري يتنزى
أي أخلاط بنفسي تضطرب
ومعان أوسعت روحي وخزا
وأمان كالأتون الملتهب!
وفي قصيدته اذكريني يقول:
افترقنا، فاذكري الماضي ولا تنسي صداه
والمحي في كل محزون خيالاً من رؤاه
وإذا طالعت في دنياك أوان الحياة
من شقاء وصفاء ومهانات وجاه
فأطيلي وقفة الأسى على النيل المهين
وصبابات أماني وجاه، واذكريني
ويبقى ديوان د.القط الأوحد شاهداً على ظاهرة أدبية في لغتنا العربية، لأكثر من أديب أو ناقد أو فقيه أو عالم له في ديوان الشعر العربي قصائد من شبابه البكر. هكذا وجدنا ديواناً واحداً للناقد الراحل د.شكري عياد، وديواناً وحيداً للشيخ متولي الشعراوي، وغيرهما.