الشعر هو شكل من أشكال التأمل، وهو السؤال الذي إذا طُرِح بوعي، يصل إلى أبعد مما يمكن أن يصل إليه في النثر. المجموعة الثانية الجذابة (الحياة القريبة) للشاعر البريطاني رولاند باجنال هي تساؤلات في الوعي. مثل فرجينيا وولف، فهو يسجل لحظات من وجوده، على الرغم من أن لحظاته، على عكسها، كانت حذرة، ونادراً ما تكون وجدانية، فهي تنطوي على تأملات فلسفية واضحة. إنه مهتم بكيفية تحديد وجوده -وبالتالي نحن ضمناً- في الزمان والمكان. إن الاعتراف بأن الزمن لا يمكن أن يصمد أو يثبت يمثل انشغالاً مستمراً، واستفزازاً بالنسبة له. في قصيدة (الأرنب البري)، يضفي على الزمن صفة إنسانية: (أستيقظ في الصباح/ وأجد ربيعاً منسجماً/ والنوافذ باهتة بسبب الضوء الصافي/ ويسأل النهار: كيف سأنجو بنفسي؟) والزمن يمضي ويواصل باجنال، وفي الوقت نفسه، كل مقطع هو لحظة سكون (يمكن للزمن أن يبقى في القصيدة).
يبدو أن القصائد نفسها تلفت الانتباه في هذا المشروع الدقيق والحاسم والمفرط اليقظة الذي يقوم فيه بتأمل الحاضر والماضي، وفي أغلب الأحيان المستقبل القلق، (وقد كان آنذاك في الثلاثينات من عمره):
تبدأ القصيدة الافتتاحية في المجموعة الشعرية، وهي بعنوان (لا شيء شخصي): (الزمن يندفع/ يرتجف، يتسارع في المطاردة/ لمكان ما يُشاع عنه في المستقبل). إنه يعطينا تلميحاً، منذ البداية، إلى تصميمه على النظر إلى الصورة الأكبر وعدم إهمال المنظور التاريخي، بينما يشير إلى عدم أهميته الشخصية في عالم محكوم عليه بالفناء: (لا يزال، مثل سكان مدينة/ سيتم تدميرها قريباً من قبل وحدة من الفرسان فاعلموا/ أن هذا يحدث رغماً عنا وليس بسببكم).
إن الوعي بالذات يمثل نقطة قوة، ويبدو أنه وجد نغمته الخاصة التي يكتب منها رؤيته لذاته ورؤيته الأوسع للعالم. يبدأ قصيدة (رؤية مزدوجة عند المغسلة) بتواضع عندما ينظر إلى أسفل في حوض من السيراميك الأبيض، منخرطاً في مهمة قشر الجمبري الضخم (قطع الدرع بعيداً)، ثم تنطلق القصيدة دون سابق إنذار: (لا نكتشف كيف تحولت الوجبة).. يتمتع بإحساس مبهج وغير متوقع في مساره، حيث ينطلق من حوض المطبخ إلى السماء ثم إلى لوحة ميرودي Mérode Altarpiece (وتُنسب للرسام الهولندي روبرت كاميين حوالي 1428)، التي رآها سابقاً في يوم قشر القريدس. إنه واثق بشكل خاص من الكتابة عن اللوحات (ربما يكون مطمئناً من خلال سلطتها البصرية). ويصف يوسف بأنه (كان يحفر ثقوباً في قطعة من الخشب. ومن ورائه/ مشهد من الشارع لبلدة/أوروبية تسبقه بما يقارب ألف وأربعمئة عام). بحلول نهاية القصيدة، كان (دون سابق إنذار) قد استقل طائرة ويصف مشاهدته لمسار الرحلة على الشاشة والدوار المصاحب: الكوكب مقسم إلى مناطق زمنية/ على خريطة شبكية. أقوم بتكبير البلد/ ثم المدينة التي غادرناها للتو، ثم الشقة/ ثم المطبخ، حيث أرى نفسي من قبل/ الحوض، وأصابعي تعمل بدقة على اللون الرمادي الفضي/ للقريدس.
أثبت باجنال أنه محترف في استخدام (الزوم)، وله عين رائعة في التقاط الصور المقربة. يصف البرقوق غير الناضج بوصف رائع للفاكهة العنيدة والمنبعجة المقاومة، لأن تصبح حياة ساكنة (البرقوق يخضع للوقت أيضاً): إنه يتغير لونه/ في الضوء يصبح أضعف كل يوم، أحياناً أرجواني/ أحياناً بنفسجي، حتى اللون الأزرق الداكن الذي يستخدمه سيزان/ للتأكيد على تفاحاته.
القصائد التي يسمح فيها باجنال للحظة الحالية باستغراقه في التأمل، مثل تفاوت المناظر الطبيعية، هي القصائد الأكثر جذباً (بكل معنى الكلمة) حيث تسمح بدمج الزمان والمكان والذات: استحضاره للأيائل يؤدي تقريباً إلى أن يصبح واحداً معهم: (مثل مشاهدة نفسي أتحطم/ بعيداً عبر الأدغال).
إن باجنال لديه إحساس مبهج وغير متوقع بالاتجاه، حيث يطلق نفسه من حوض المطبخ إلى السماء وما بعده. لا شك أن المجموعة الثانية هي فحص دقيق للماضي والحاضر والمستقبل الغامض.
https://www.theguardian.com/books/article/2024/may/07/near-life-experience-by-rowland-bagnall-review-the-time-travellers-life