مجلة شهرية - العدد (589)  | أكتوبر 2025 م- ربيع الثاني 1447 هـ

قصة معتقد

(وَإِذ قَالَ مُوسَىٰ لِقَومِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تَذبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَن أَكُونَ مِنَ ٱلجَٰهِلِينَ (67) قَالُواْ ٱدعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكرٌ عَوَانٌ بَينَ ذَٰلِكَ فَٱفعَلُواْ مَا تُؤمَرُونَ (68) - سورة البقرة.
لطالما كانت هذه الآية في سورة البقرة محل اهتمام؛ لأنها تتناول اختيار حيوان معين في أمر الذبح، حينما كان لجواب بني إسرائيل عندما أتوا للنبي موسى عليه السلام يستنجدون به لإظهار القاتل، فكان الجواب (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة).
فلماذا بقرة؟ وجواباً على هذا التساؤل نجد أنه متعلق بتأثير تراكمي مبني على تعايش شعوب مع بعضها، أدى إلى الاعتقاد والتصديق بها. وقبل أن نستطرد السبب نود التنويه أن المصحف الشريف يحمل أوامر ربانية تتضمن الشعائر والتحريمات والواجبات، يجب علينا، نحن المسلمين، الإيمان والعمل بها جُملةً وتفصيلاً، فهي النور لطريق المؤمن، وهي النجاة له من ظُلمات الحياة.
ولكن سبب الاهتمام بهذه الآية تحديداً هو: لماذا ذبح البقرة تحديداً، فكان هذا التساؤل بوابة لجواب اجتهد بعض الباحثين في تاريخ الحضارات والأديان للوصول إليه.
فكان أحد هؤلاء الباحثين الباحث السعودي في تاريخ الحضارات والأديان سلطان الموسى، وهو ممن نفخر بهم، نحن السعوديين، حيث أنه ممن يهتمون بالحضارات والأديان، وله العديد من الكتب التي تعكس ذلك، ومن ضمنها (أقوم قيلاً)، وهو ما وجدت بين صفحاته ضالتي تحديداً صفحه رقم 212: لماذا أُمر بنو إسرائيل بذبح بقرة تحديداً؟
فكان مما سرده أنه كان للبقرة والعجل بشكل عام شأن عظيم عند الفراعنة، وجعلوها أحد الآلهة المُقدسة، حيث يوجد لديهم إله على شكل ثور أطلقوا عليه اسم (آبيس)، ومن المعروف أن التقديس يحظر ذبح الحيوان وأكله، لذلك رُبما أن بني إسرائيل دخل في نفوسهم شيء من هذا التقديس، نتيجةً لوجودهم بينهم والتأثر بهم.
ولكسر هذا التقديس أتى الأمر بذبح بقرة، ونجد تعاظمهم لهذا الأمر بكثرة سؤالهم عن ماهية البقرة.
نجد كذلك نفس التأثر العقائدي الذي وقع في نفوس بني إسرائيل في قصة السامري، حينما صنع لهم المُجسم على شكل العجل، فعبده كثير منهم.
التأثر بمعتقد تجاه حيوان نجده كذلك في قوم النبي صالح عليه السلام، حينما عقروا الناقة، ويعود ذلك ربما أنهم كانوا من العرب الذين يتطيرون بالإبل، فلا يقومون بتربيتها، أو حتى يسمحون بوجودها في دارهم.
فنجد عدة مراجع ذكرت تاريخ التطير من الإبل عند العرب، مثل كتاب (الإبل في بلاد الشرق القديم وجزيرة العرب) للدكتور حمد صراري، وكذلك بحث بعنوان (الإبل في المعتقدات والأساطير العربية) للدكتور عمرو منير.
(قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (47 - النمل)
ولعل من أجل ذلك عقروها ولم يذبحوها بشكل مباشر، حيث أن العقر كما ذهب بعض مُحللي اللغة أنهُ يعني فصل الشيء عن الشيء، لذلك نجد في الآيتين (عجوز عقيم) والآية الثانية (وكانت امرأتي عاقر)؛ حيث أن العقم لم يحدث الحمل أبداً، بينما العقر حدث، ولكنه لا يثبت، كما فسر ذلك القلة، والله أعلم عن الصحة.
ختاماً في تاريخ الحضارات دائماً ما نجد ما يجعلنا نندهش من معتقدات تنعكس على سلوكيات، فتُترجم بشكل معتقد، نُدرك من خلاله طبيعة تلك الأمة أو الحضارة بمفهوم أعمق.
هذا ما كان لدينا، وعسى أن وفقنا في النقل.

ذو صلة