أمية بن أبي الصلت هو أمية بن عبدالله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن عنزة بن قيس وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، كما جاء في الأغاني ويكنى بأبي عثمان وأبي الحكم وأبي القاسم وأبي الصلت، وكان أبوه سيداً في قومه، وأمه رقية بنت عبدشمس بن عبدمناف من شريفات قريش، كما ذكر الدكتور عبدالحفيظ السطلي مدرس الأدب الجاهلي في جامعة دمشق في تحقيقه لديوانه.
مولده
هو شاعر جاهلي ولد في الطائف وهي (مصيف أهل مكة ومتنزههم، وروضة خصبة وسط الصحراء القاحلة، وأطيب البلاد العربية هواء وأجملها مناخاً وأكثرها بساتين وكروماً وزرعاً وفاكهة وعيوناً وهي في الجنوب الشرقي لمكة وبينهما خمسة وسبعون ميلاً) كما ذكر الأعلم الشنتمري في كتابه (أشعار الشعراء الستة الجاهليين) وكان أبوه شاعراً أيضاً.
وأدرك الإسلام والتقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الأخبار أنه التقاه وتحاور معه وسمع منه القرآن لكنه أبى أن يسلم.
قال عنه ابن سّلام الجمحي: «وكان أميّة بن أبي الصلت كثير العجائب، يذكر في شعره خلق السماوات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء، وكان قد شامَّ -أي اقترب من- أهل الكتاب» (طبقات فحول الشعراء، 1/ 259).
من أبياته الشهيرة التي تتحدث عن الجنة يقول:
وحلّ المتقون بدار صدق
وعيش ناعم تحت الظلال
ظلال بين أعناب ونخل
وبنيان من الفردوس عالي
ومنها في وصف الجحيم:
وسيق المجرمون وهم عراة
إلى ذات المقامع والنكال
فنادوا ويلنا ويلاً طويلاً
وعجوا في سلاسلها الطوال
فليسوا ميتين فيستريحوا
وكلهم بمجر النار صال
ومن شعره قوله:
إله العالمين وكل أرض
ورب الراسيات من الجبال
وشق الأرض فانبجست عيوناً
وأنهاراً من العذب الزلال
وقال أيضاً:
إِلى اللَهِ أُهديَ مِدحَتي وَثَنائِيا
وَقَولاً رَصيناً لا يَني الدَهرَ باقِيا
إِلى المَلكِ الأَعلى الَّذي لَيسَ فَوقَهُ
إِلَهٌ وَلا رَبٌّ يَكونُ مُدانِيا
وَأَشهَدُ أَنَّ اللَهَ لا شَيءَ فَوقَهُ
عَلِيّاً وَأَمسى ذِكرُهُ مُتَعاليا
أَلا أَيُّها الإِنسانُ إِياكَ وَالرَدى
فَإِنَّكَ لا تُخفي مِنَ اللَهِ خافِيا
وَإِياكَ لا تَجعَل مَعَ اللَهِ غَيرَهُ
فَإِن سَبيلَ الرُشدِ أَصبَحَ بادِيا
وقال عنه ابن قتيبة في الشعر والشعراء: «وكان يحكي في شعره قصص الأنبياء، ويأتي بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب يأخذها من الكتب المتقدمة، وبأحاديث من أحاديث أهل الكتاب..... وعلماؤنا لا يرون شعره حجة في اللغة» الشعر والشعراء 1/ 459: 461.
ويقال إنه كان كثير الترحال محباً للسفر، سافر إلى اليمن، وعاشر الفرس، ورحل إلى الشام، والتقى القسيسين والرهبان وسمع أحاديثهم واطلع على كتب الأديان كما ظهر في شعره، وهذا ما ذكره الأب أنستاس ماري الكرملي في كتابه (أديان العرب وخرافاتهم) حيث ذكر أنه اطلع على الكتب القديمة وارتدى مسوح الرهبان تعبداً، وحرم الخمر، وشك في الأوثان، وكان محققاً، والتمس الدين، وطمع في النبوة، لأنه قرأ في الكتب القديمة أن نبياً يبعث من العرب، فطمع أن يكون هو.
وذكر بعض الباحثين أن أمية أول من قال: باسمك اللهم
ومن شعره ذي المسحة الإيمانية قوله:
لك الحمد والنعماء والمُلْك ربنا
فلا شيء أعلى منك جَدّاً وأَمْجَدُ
مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ
لعزّته تَعْنُو الجباه وتسجدُ
مليك السماوات الشِّدَاد وأرضها
وليس بشيء فوقنا يتأودُ
تسبِّحه الطير الكوامن في الخفا
وإذ هي في جو السماء تَصَعَّدُ
ومن خوف ربي سبّح الرعدُ حمده
وسبّحه الأشجار والوحش أُبَّدُ
من الحقد نيران العداوة بيننا
لأن قال ربى للملائكة: اسجدوا
لآدم لمّا كمّل الله خلقه
فخَرُّوا له طوعاً سجوداً وكدّدوا
وقال عَدُوُّ الله للكِبْر والشَّقا:
لطينٍ على نار السموم فسوَّدوا
فأَخْرَجَه العصيان من خير منزلٍ
فذاك الذي في سالف الدهر يحقدُ
وفاته
كانت وفاته في السنة الخامسة للهجرة، وروي أنه لما أتاه المرض الذي مات فيه قال: قد دنا أجلي وهذه المرضة مني، وأنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد، وأفاق وأخذ يقول:
لبيك لبيك هأنذا لديك
لا مال يفديني ولا عشيرة تنجيني