مجلة شهرية - العدد (589)  | أكتوبر 2025 م- ربيع الثاني 1447 هـ

المستشعرات ومدن المستقبل

مع التطور المتسارع للمدن عالمياً، أصبحت المدن الذكية حقيقة ملموسة تتطور يوماً بعد يوم، يستند هذا التحول على استخدام التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، من إدارة المرور ومراقبة جودة الهواء وتوزيع الطاقة وغيرها من الأمثلة، وتوجد المستشعرات في صميم هذا النظام الذكي والذي يمثل العيون الرقمية للمدينة ويشكل العنصر الأساسي لجمع البيانات في الوقت الحالي.
تُعرف المستشعرات بأنها أجهزة إلكترونية تستشعر التغيرات الفيزيائية أو الكيميائية، وفي المدن الذكية توزع هذه الأجهزة في الشوارع والمباني والأنظمة الخدمية لتوفير طبقة ذكية للمراقبة والتحكم.
• بعض من أنواع المستشعرات واستخداماتها الأساسية:
1. مستشعرات جودة الهواء: تُستخدم لقياس تراكيز الغاز المضر مثل ثاني أكسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة وتساعد هذه البيانات في مراقبة التلوث واتخاذ قرارات بيئية مدروسة.
2. مستشعرات الحركة والتواجد: تُستخدم في أنظمة الإنارة الذكية حيث تُضاء أعمدة الشوارع تلقائياً عند مرور المارة أو المركبات، مما يعزز كفاءة استهلاك الطاقة ويحقق الأمان على الطرق.
3. مستشعرات الحرارة والرطوبة: تُستخدم لضبط أنظمة التكييف والتدفئة في المباني ولتوقع الأحوال الجوية المحلية، كما تتكامل مع أنظمة الريّ الذكية لتحديد كمية الماء المطلوبة بدقة.
4. مستشعرات البنية التحتية: مثل مستشعرات الاهتزاز والتشقق، تُستخدم لمراقبة استقرار الجسور والمباني، وتوفير تحذيرات مبكرة في حال حدوث هزات أرضية أو انهيارات.
• تكامل المستشعرات مع أنظمة التحكم والتحليل:
لا تقتصر فاعلية المستشعرات على جمع البيانات فحسب، بل تكمن قيمتها الحقيقية في دمجها مع أنظمة المعالجة والتحكم، مثل الأنظمة المدمجة (Embedded Systems) التي تقوم بتحليل البيانات محلياً، أو عبر إرسالها إلى خوادم مركزية باستخدام شبكات منخفضة الطاقة مثل NB-IoT أو LoRaWAN.
وتُسهم هذه المنظومة باتخاذ قرارات فورية، مثل تشغيل نظام إطفاء الحريق عند ارتفاع درجة الحرارة، أو توجيه فرق الطوارئ عند الكشف عن غاز سام، مما يزيد من أمان المدينة وفاعلية خدماتها.
التطبيقات العملية للمستشعرات في المدن الذكية
لم تقتصر المستشعرات الذكية على الجانب النظري، بل طُبقت فعلياً في العديد من المدن حول العالم، مثل:
- الإمارات – دبي: تطبق تقنيات إنترنت الأشياء والمستشعرات في شبكات المواصلات، مما يسهل حركة النقل.
- إسبانيا – برشلونة: تعتمد أنظمة إدارة مواقف السيارات على مستشعرات أرضية تساعد السائقين في العثور على المواقف الشاغرة بسهولة.
- اليابان – طوكيو: تعتمد على شبكة مستشعرات لمراقبة الزلازل والاهتزازات، لتقديم تحذيرات سريعة للسكان وتقليل الخسائر.
- هولندا – أمستردام: تستخدم مستشعرات ذكية في إدارة المياه والسيطرة على الفيضانات في المناطق المنخفضة.
تواجـــه أنظمـــة المستشعــــرات الذكية تحديات مثل أمان البيانات، واستهلاك الطاقة، وموثوقية الاتصال. ومع ذلك، تتيح هذه التكنولوجيا فرصاً واسعة لمهندسي الإلكترونيات لتطوير مستشعـــــــرات أكثر كفــاءة، واستخدام خوارزميات تحسن دقة القياس، بالإضافة إلى تعزيز أمن البيانات وجودة الاتصال.
ولا تقتصر أهميـــــــة المستشعرات على الجانب التقني فقط، بل تمتد لتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والمجتمع داخل المدن الذكية. فالمستشعرات تساعد في خفض التكاليف التشغيلية من خلال تحسين إدارة الطاقة والمياه وتقليل الهدر، كما تسهم في تقليل تكاليف الصيانة عبر الكشف المبكر عن الأعطال. إضافة إلى ذلك، تدعم تقليل الازدحام المروري مما يحد من استهلاك الوقود والخسائر الاقتصادية الناتجة عن التأخير. كما تعزز المدن الذكية المزودة بهذه التقنيات من قدرتها على جذب الاستثمارات وتحسين تخطيط الموارد، مما يدفع عجلة النمو الاقتصادي نحو مستقبل أكثر استدامة. علاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات تساهم في تعزيز الاستدامة البيئية من خلال تقليل الانبعاثات الضارة وتحسين جودة الهواء، مما ينعكس إيجابياً على صحة السكان وجودة حياتهم.
ومع توسع تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، سيواصل دور المستشعرات في النمو وإعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والبيئة الحضرية، مسلطين الضوء على دور المهندسين وقدرتهم على الابتكار وقيادة مستقبل أكثر وعياً ومرونة واستدامة.

ذو صلة