مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

رئيسة دار(مولر وشندلر) الألمانية لنسخ المخطوطات شارلوت كرامر لـ(المجلة العربية): خلف كل مخطوطة قصة عظيمة

حوار وترجمة: حمد الدريهم: الرياض


تخيل أن مكتبتك المنزلية فيها كراسات رسم ليوناردو دافنشي مطابقة تماماً للقابعة ثلاثين متراً تحت الأرض لا يمكن الوصول إليها، إلا بعد مرورك بحراسات مشددة وبوابات أمنية في بنك فرنسا الوطني. تحاول دار (مولر وشندلر) الألمانية لنسخ المخطوطات طبق الأصل أن تجعل المخطوطات سهلة الوصول للعامة والمهتمين عبر ريادتها في تقنيات نسخ المخطوطات طبق الأصل وشراكاتها المتعددة مع المكتبات والمتاحف حول العالم. التقيتُ شارلوت كرامر رئيسة دار (مولر وشندلر) للحديث عن عالم المخطوطات وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي وعن مخطوطة (أُلغ بِك) وغيرها من الموضوعات، فإليكم الحوار:
مؤخراً، (مولر وشندلر) توسعت خارج أوروبا، ما أسباب ذهابكم إلى مناطق مختلفة حول العالم؟ كيف يمكن المواءمة بين الطلب العالي على نسخ المخطوطات مع الحفاظ على الجودة؟
- (مولر وشندلر) ترى مهمتها أنها سفير للثقافة، ينشر الثقافات المختلفة ويجعلها متاحة بطرق متعددة، لذا فمهمتها ليست مجرد نسخ صور طبق الأصل للمخطوطات. التعاون والتبادل الثقافي يعد أمراً أساسياً للغوص في ثقافات أخرى بطريقة رصينة ومحترمة. نرى أيضاً أن المناطق الأخرى التي ليس لديها مفهوم نسخ مخطوطات طبق الأصل حتى الآن، فيمكننا تقديم الدعم والأفكار لهم فيما يتعلق بهذا النوع المحدد والرائع من الكتب. كنوز الفن الإسلامي والعربي في آسيا الوسطى يجب أن يُهتم بها وتحفظ وتُنشر عالمياً.
نحن ملتزمون بالجودة الفائقة، لذا ننظم بكفاءة سير العمل واللوجستيات والموارد البشرية ونركز بشكل خاص على استقطاب وتدريب المتعاونين المتخصصين لأجل مشاريع مُعينة. فحص الجودة النهائية يُترك لي دائما. بعد الامتثال لمعايير الجودة الأكثر صرامة لدينا، حينها ستمنحُ الموافقة على مشروع نسخ مخطوطة طبق الأصل وتنفيذه.
كل مكتبة ومتحف حول العالم تهدف أن تكون مخطوطاتها حصراً لديها، لجذب الزوار من حول العالم. كيف تصفون علاقتكم بتلك المكتبات والمتاحف، ولاسيما فيما يتعلق بنسخ المخطوطات؟
- شبكة علاقاتنا وسمعتنا ممتازة بصفتنا دار نشر عالمية رائدة في نسخ طبق الأصل، نحن معروفون بكيفية القيام بها وبخبرتنا الواسعة، فضلاً عن جودتنا في النسخ والتحليل العلمي. في السنوات الأخيرة، المؤسسات اكتسبت وعياً أكبر في الاهتمام المتزايد بين عامة الناس بالمخطوطات القديمة، لذلك المتاحف والمكتبات تبذل جهداً مضاعفاً حتى يصبح إرثها الثقافي سهل الوصول إليه عن طريق تنظيم المعارض وإصدار المنشورات وتسهيل الوصول الرقمي إليها. في سياق تلك المشاريع، يعتمدون دائماً على دعمنا وخبرتنا.
منطقة وسط آسيا غنية بالمخطوطات. كيف ترون تلك المنطقة مقارنة بمناطق أخرى حول العالم؟ هل هناك رؤية من قبلكم فيما يتعلق بمخطوطاتها؟
- فعلاً، وسط آسيا أعادت الحياة للعديد من المخطوطات الفريدة والرائعة المهمة التي تحوي موضوعات متعددة وشاملة في العلوم والدين والأدب والتاريخ.
الكثير منها انتشر حول العالم وأصبحت محفوظة لدى المؤسسات والمتاحف وكذلك المجموعات الخاصة. طوال القرون الماضية، وسط آسيا كان تحت تأثير سياسي وديني متعدد ومتغير، فأعطت نتاجاً مبهراً وإرثاً فريداً.
رؤيتنا أن نحفظها وندرسها ونشارك تلك الكنوز التراثية الإنسانية، لذا وضعنا ضمن أعمالنا مخطوطة عن علم الفلك في سمرقند في عهد الإمبراطور التيموري (أُلغْ بك)، لأنها وضعت أسس الدراسات الفلكية ليس في العالمين العربي والإسلامي فحسب، بل في أوروبا أيضاً.
هل يمكنكِ إخبارنا عن قصة عظيمة تقف خلف نسخ إحدى المخطوطات، لا يمكنك نسيانها؟
- هناك الكثير من القصص، أستطيع القول إن خلف كل مخطوطة قصة عظيمة. ربما إحدى التجارب الأكثر دهشة كانت فحص ألوان كراسات رسم ليوناردو دافنشي في بنك فرنسا الوطني، في غرفة خاصة تدلف إليها بعد مرورك بالعديد من الحراسات والتفتيش والبوابات الأمنية. ثلاثون متراً تحت الأرض، ثم ستتاح لك فرصة رائعة لرؤية تلك المخطوطات الفريدة لتلك العبقرية الشاملة. تخيل لمسك لنفس الصفحات التي لمسها ليوناردو دافنشي منذ ما يزيد على 500 عام.
حكاية أخرى في ذهني، كانت حول مخطوطة نحتاجها في أستوديو التصوير، المكتبيّ، أتى راكباً القطار، واضعاً ذلك الكنز في حقيبته الشخصية، كنت خائفة طوال الوقت حتى وصل بأمان إلى مقرنا ومعه المخطوطة، ثم قضينا أسبوعين معاً في الأستوديو نعمل على تلك القطع الهشة لكنه كان مخطوطاً رائعاً. اطمأننتُ أخيراً، عندما عاد إلى المكتبة سالماً وحُفظ المخطوط في مكانه.
لديكم تجربة تعاون في الشرق الأوسط، ولاسيما مع دول الخليج. كيف تصفين تلك التجربة؟
- نعم، لدينا بعض التعاونات في الشرق الأوسط. كانت تجربة ملهمة ومثيرة للاهتمام. شخصياً، استمتعتُ بها، لأنها علمتني الكثير عن الثقافة هناك وربما وسّعت مداركي. أحياناً، كانت لدينا مشكلة في وقت التسليم وكنا نحتاج لشرح لم أعمالنا تحتاج إلى الكثير من الوقت؟ نظراً للعديد من الخطوات الضرورية في الإنتاج التي تكون بواسطة عدد قليل من الخبراء وتستغرق وقتاً طويلاً.
بعض المخطوطات قد تحمل حساسية تاريخية، كيف تتعاملون معها؟ ما المعايير لاختيار مخطوطة لنسخها؟
- فعلاً، بعض المخطوطات قد تحمل حساسية تاريخية، لكنها دائماً تكون مرآة عصرها والمكان الذي كُتبت فيه، لذا تصبح شهادة تاريخية وثقافية لابد من مناقشة مضامينها وتسليط الضوء عليها، لإثراء النقاش العلمي مع مراعاة جميع وجهات النظر والظروف الزمنية المحددة.
اختيار المخطوط يكون مع فريق الخبراء للتأكد من أهميتها وللتثبت من الاهتمام المشترك بإتاحتها ودراستها علمياً، كل نسخة طبق الأصل يصاحبها بحث علمي.
كيف ترين أثر نسخ المخطوطات في إثراء الحوار بين الأمم؟
- في رأيي، لها تأثير محوري من ناحية أن تلك الكتب تعد سفراء للثقافة بحيث يكون محتواها متاحاً في أرجاء العالم. ومن ناحية أخرى، تدعم التفاهم المتبادل والحوار المحترم المبني على التربية والمعرفة والفهم. إضافة إلى أن مجرد لفتة إعادة وثيقة إلى بلدها الأصلي كنسخة طبق الأصل أو تقديمها إلى دول أخرى كهدية من ثقافتك، فإنها لا تُقدّرُ بثمن.
هل هناك فرصة لنقل تقنية نسخ المخطوطات طبق الأصل إلى بلدان أخرى؟ ما وجهة نظرك؟
- التقنيات تتطور باستمرار ونُشارك المعرفة مع شركائنا للحصول على أفضل النتائج وتقديمها على أحدث طراز. نظمنا العديد من ورش العمل ودورات التدريب للمؤسسات والعلماء. إضافة إلى عملائنا بنقل معرفتنا إليهم ومساعدتهم في الاستمرار في بعض الخطوات العملية، ولاسيما الالتقاط الرقمي للمخطوطات الأصلية بأنفسهم.
فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي ونسخ المخطوطات، كيف ترين العلاقة بينهما؟
- الذكاء الاصطناعي سيساعدنا لدفع تلك المخطوطات إلى مستوى مختلف ويفتح طرقاً جديدة لتجربتها وفهمها من وجهات نظر مختلفة.
نحن نوظف التقنيات الجديدة ونستفيد من الذكاء الاصطناعي، لأجل إتاحة الوصول والتحقق ومشاركة المحتويات مع الجمهور. في هذا السياق، الذكاء الاصطناعي يساعدنا في جمع المعلومات من قواعد بيانات مختلفة.
منذ الطفولة وأنتِ محاطة بعالم المخطوطات، ما الدروس التي تعلمتيها في هذا المجال وتودين مشاركتها؟
- الجمال والتاريخ في كل مكان، والوثائق التاريخية ركائز الثقافة والمعرفة الإنسانية. لها هالتها الخاصة التي تحتاج العناية الخاصة اللائقة بها. كل قطعة تحتاج إلى نهج خاص وتتطلب التعامل معها بصورة محددة بحسب التكنولوجيا والمحتوى. كل كتاب هو حكاية ومغامرات جديدة، أتعلم شيئاً جديداً منها. ستبقى دائماً رحلة رائعة، إذا أبقيت عقلك مفتوحاً.

ذو صلة