مجلة شهرية - العدد (572)  | مايو 2024 م- ذو القعدة 1445 هـ

سامح الجباس: نحن في عصر استسهال النجاح الأدبي

حوار/ رابعة الختام: مصر


الروائي والطبيب سامح الجباس يكتب رواياته بعمق وأيدولوجية فارقة ما استدعى تعرضه لكثير من سهام النقد، تارة يتهمونه بأن رواياته غرائبية وتثير جدلاً واسعاً، وأخرى بأنها تشبه البحث الاستقصائي والتحقيقات الصحفية. عن تجربته الروائية، وكبار كتاب الرواية والقصة القصيرة، نجيب محفوظ ويوسف إدريس كانت سطور الحوار التالي:

هل الرواية المصرية تجاوزت نجيب محفوظ؟
- نجيب محفوظ شق بمثابرته واجتهاده طريقاً غير ممهد للرواية العربية وتلته أجيال تسير على نفس الطريق وتمهده بطريقتها. الرواية عموماً تتغير وتتشكل في العالم كله، ليست ثابتة، جامدة في قوالب معينة، ولا تقف أمام رافد واحد فهي نهر كبير يتدفق وطبيعي أن تتجاوز محفوظ كما تجاوز هو طه حسين، ومحمود تيمور، ومحمد حسين هيكل في زمنه.
هل القصة القصيرة المصرية وقفت عند تجارب يوسف إدريس؟
- الفن لا يتوقف ويتجمد بل يتطور ويتجاوز، ويوسف إدريس وضع بصمة في تاريخ القصة القصيرة العربية، لكن القصة تستمد وجودها من الناس والزمن، وتتغير بتأثير التغيرات الاجتماعية والسياسية، فالقصص التي كانت تصور حياة الناس في الستينات من القرن العشرين أصبحت (تاريخاً) ومرجعاً وشاهداً على الإنسان بتلك الفترة وطبيعي أن تتطور بتطور الزمن.
هل الروايات التاريخية موضة العصر، وهل تستحق كل هذا الضجيج؟
- الرواية التاريخية نوع مهم، وهي النواة الأولى للرواية العربية التي بدأت تاريخية فقط قبل أن تملك الشجاعة لتتحول لأنواع أخرى كالواقعية مثلاً، وتقريباً كل الروائيين كتبوا ولو رواية تاريخية واحدة. لكن إذا حددنا الكلام عن العصر الحالي فهو عصر استسهال النجاح، فمنذ فترة قريبة أصبح هناك هوس بكتابة روايات الرعب، رغبة في النجاح والشهرة التي تحققها بغض النظر عن انعدام موهبة الكاتب أو رداءة الرواية. ومنذ سنوات قليلة عندما نجحت بعض الروايات التاريخية اندفع لهذا النوع كالعادة الباحثون عن الشهرة والنجاح المزيف. لكن ما لا يدركه إلا القليل هو أن كتابة الرواية التاريخية لا تقوم فقط على حبكة قصة حب ساذجة بين شخصياتها فهذا كان يقدمه جورجي زيدان في رواياته عن تاريخ الإسلام منذ أكثر من 100 سنة. كتابة الرواية التاريخية في الحقيقة بحث شاق بين أروقة التاريخ لاستكشاف المسكوت عنه لنفض الغبار عنه، أما تكرار الكتابة عن الشخصيات التاريخية الشهيرة والمعروفة حتى لعامة الناس، استسهال وإعادة تدوير لأعمال سابقة عفا عليها الزمن.
اللجان القائمة على الجوائز هل أنصفت المبدعين أم ظلمتهم؟
- لن تجدي كاتباً في مصر يرضى عن الجوائز الأدبية، فحتى محدودو الموهبة يملكون الجرأة على الاعتراض على نتائج تلك الجوائز. والحقيقة أنه بالفعل وللأسف معظم الجوائز حتى تلك التي تشرف عليها وزارة الثقافة تمنح معظمها لأسباب لا تتعلق بجودة العمل وتاريخ المبدع بل تتعلق وتعتمد في كثير من الأحيان على العلاقات الشخصية والمجاملات والترضية، والظروف المرضية للكاتب، وهذا أصبح ملفتاً.
لماذا يكتب سامح الجباس الرواية، وما هي أدواتك؟
- أكتب عندما يستحيل الصمت. أكتب الرواية لأنها الفن الذي أحبه والعالم الذي أجتهد في صنع بصمة فيه، أكتب لأنني أحب الكلمة وأعرف قيمتها وأقدسها جيداً، منذ صغري أحلم أن أكون كاتباً له عالمه الخاص وبصمته في عالم الرواية الرحب. وما زلت أجتهد في كل رواية أكتبها لإتمام صنع هذا العالم، إذ ربما يأتي من بعدي كاتب واحد تكون رواياتي سبباً في عشقه للكتابة. أدواتي هي أفكاري وبحثي المستمر عما هو مختلف وغير تقليدي وغير مطروق في الكتابة.
من هم آباؤك الحقيقيون في الرواية من العرب والأجانب؟
- أحب هؤلاء الكتاب الذين صنعوا عالمهم المتفرد الخاص جداً وأنا قارئ لمعظم الأدب المصري والعربي منذ القديم للحديث لكن هذه العوالم الأقرب لقلبي والتي كان لها التأثير الأكبر في وجداني هي تلك التي صنعها كبار الكتاب وهذه مجرد أمثلة فقط لأن القائمة طويلة للغاية.
فمن المصريين: نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وإبراهيم عبدالمجيد، وخيري شلبي، وإدوار الخراط.
ومن العرب: الليبي إبراهيم الكوني، والجزائري واسيني الأعرج، واللبناني ربيع جابر، والسوري خالد خليفة، وحنا مينا، والتونسي الحبيب السالمي، والمغربي محمد الأشعري، والكويتي فهد إسماعيل فهد.
ومن الأوربيين: التشيكي ميلان كونديرا، والكندية مارجريت أتوود، والإنجليزي كازو إيشيجورو، والياباني يوكوميشيما، واليوناني نيكوس كازانتزاكس، وطبعاً ماركيز ويوسا وإيزابيل الليندي.
في رأيك ما هي أهم المدارس الحالية للكتابة بعد الواقعية السحرية والبنيوية وما بعد الحداثة؟
- على مستوى الإبداع الواقعية السحرية موضة العصر، فكثير من الكتاب يحبون عالمها ويخوضونه. وروايات ما بعد الحداثة والتي أميل إليها شخصياً تجد لها نصيباً من التواجد على الرغم من صعوبة عالمها وتفرده. أعترف في دهشة حقيقية أن الكتابة الكلاسيكية، التقليدية، التي تجاوزتها الرواية مازالت تفوز بإعجاب واهتمام القراء، ومازالت الروايات المتواضعة فنياً بالمقاييس النقدية، تتربع على قوائم المبيعات لقراء القرن الحادي والعشرين!
والمطلع على الأدب العالمي يجد العكس، فأنجح الروايات في الغرب هي أكثرها تجديداً وتجريباً وابتكاراً.
هل معنى كتابة الرواية التاريخية أن الكاتب بلا تجارب حقيقية تستحق الكتابة، وهل هذا إفلاس؟
- لا، الكتابة التاريخية مهمة للغاية، وبعض الكتاب يستلهمون من التاريخ إسقاطات على الواقع، والكتابة التاريخية ليست إفلاساً، بل إن الروائي يُكمل دور المؤرخ إلا أن الروائى يهتم بالناس وواقعهم وتفاصيل حياتهم بينما يهتم المؤرخ بالأحداث الكبرى وكبار الشخصيات العامة وليس بالبشر العاديين. الروائي المبدع لا يكتفي بنقل التاريخ بل يفسره ويحلله وأحياناً يرسمه بصورة أوضح.
منذ صدور رواية الإخوة كرامازوف وهناك تساؤل من أين يلتقي الروائي بأبطاله؟
- الرواية خيال في البداية والنهاية، وحتى إذا كان الروائي يلتقي ويختزن في ذاكرته بشخصيات حقيقية فإنه إذا قرر أن تتحول لشخصيات روائية فإنها تكون مزيجاً من الواقع والخيال.
وهناك شخصيات خيالية أصبحت حية ولها وجود مادي وحقيقي لدرجة أن القراء يكادون يجزمون أنها حقيقية بالفعل مثل دون كيشوت.
ما هي الرواية التي أثرت فيك قبل احتراف الأدب؟
- الحرافيش لنجيب محفوظ، الجريمة والعقاب لديستوفيسكي، الحرب والسلام لتولستوي، دكتور زيفاجو لبارسترناك.
ما السر في أعمال محفوظ يجعلها ذات زخم حتى الآن؟
- السر أنها ليست أعمالاً سطحية تعتمد على الحدوتة فقط بل كالمحيط المتلاطم أمواجه، كلما غصت أعمق في أدب محفوظ ستكتشف كنوزاً، روايات محفوظ خزينة للحكايات والتاريخ والناس والفلسفات والاعتقادات.

ذو صلة