مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

الميلودراما

الميلودراما مركبة من كلمتين (ميلوس) وتعني: غناء، ودراما. و(جاء هذا الاسم من السيمفونيات التي كانت تسبق دخول الشخصيات فيها، وتصحب الأحداث المهمة).
ويرى بعض الباحثين أن الميلودراما مصطلح أطلق في البداية على (المسرحيات العاطفية المؤثرة ذات الألحان الرقيقة الحزينة، ثم أصبح هذا المصطلح يطلق على المسرحيات الغنائية التي يتخللها الحديث العادي والإلقاء بمصاحبة الأوركسترا، وكانت بعد ذلك وفي القرن 18 عبارة عن دراما كلامية يقوم بها ممثل واحد).
وتتعدد المفاهيم في تفسير مصطلح (الدراما)، ولكنها رغم تباينها في تجلية الرؤية التي ينطلق منها المفهوم لا يمكنها أن تبتعد عن كون الدراما في إطارها العام (تجربة معرفية أساسية لحياة الإنسان، تقوم على الجدل بين لحظة ماضية، ولحظة آنية. أو بين عالم الواقع، وعالم الاحتمال).
وهذا الإطار العام يظهر في (الميلودراما) التي برزت بوصفها اتجاهاً يرمي للثورة على المسرحية الكلاسيكية في القرن الثامن عشر، فقد كانت (الميلودراما) (مسرحية شعبية، تختلط فيها المأساة بالملهاة، ولا تلقي بالاً إلى الوحدات الثلاث الكلاسيكية، وأسلوبها نثري شعبي لا يسمو بعباراته عن مستوى الدهماء، وموضوعاتها حديثة مستقاة من الحاضر، أو من البلاد الأجنبية).
وقد كانت (الميلودراما) تعرض الشر في شخصية بطل من أبطالها بسبب كوارث تهز المشاعر، وفي النهاية يلقى هذا البطل جزاءه الرادع دائماً، لأن (الميلودراما) تروم إرضاء نزعات الشعب العامة التي تتطلع إلى الاقتصاص من الآثم، وتطمين النفس بأن الشر يجد ما يكبح جماحه، مما ينشئ في النفس نشوة فطرية بأن الخير هو المنتصر دائماً.
ويظهر من خلال هذا التوصيف للميلودراما أنها اتجاه ترافق مع الثورة على القديم الكلاسيكي، واتجهت إلى الشعبي المعتاد الذي يصارع حياته دون أن تتجدد ثيابه، وبذلك صار بروز هذا الاتجاه دليلاً على بروز قوة الجمهور في المسرح، هذا الجمهور الذي لا يمكن أن يكون مقصوراً على طبقة دون أخرى.
ولا يمكن أن تكون (الميلودراما) شكلاً جديداً لا جذور له، فعند العودة إلى نظرية (أرسطو) في محاكاة الواقع تبدأ جذورها بالظهور، ولكنها لم تظهر بشكل كامل إلا مع الاتجاه الرومانسي.
و(الميلودراما) في تماسها مع نظرية (أرسطو) في محاكاة الواقع تتبنى انتصار الخير على الشر مع استمرار النظام السائد الذي تشوبه بعض الهنات، وكذلك تستعمل فكرة (الندم) التي تكون نقطة مصالحة اجتماعية، وأخلاقية بين أطراف الصراع، بحيث يندم الشرير على أفعاله، ويعود إلى أحضان النظام الاجتماعي.
كما أن (الميلودراما) تعتمد على إذكاء الأحاسيس، وتأجيج العواطف التي من خلالها تستطيع السيطرة على الجمهور الذي -غالباً- ما يكون على قدر ضئيل من الثقافة.
وتهتم (الميلودراما) بالألم، لأنه المجال الذي من خلاله تتأجج العواطف.
وتسود السطحية شخصيات (الميلودراما)، فهي تدور حول أربع شخصيات رئيسة، هي: شخصية الشاب السوداوي المزاج المحب الشجاع، والفتاة أو المرأة الطاهرة المظلومة، والخائن الذي يجهل المشاعر الإنسانية، ثم شخصية قاسية وصولية غامضة.
كما أن البطل في (الميلودراما) بطل خارج عن القانون بطريقة تأتي تدعيماً للقانون، وتأكيداً له، فالخروج عن القانون يأتي نتيجة فساد في تطبيقه على أيدي بعض الفئات المنحرفة، وبذلك يصير الشر طارئاً على الإنسان، كما أن النظام القائم ليس شراً في ذاته، وإنما الخلل يكمن في التطبيق الذي يستدعي من البطل الخروج على القانون، والبعد عن النظام الاجتماعي حتى يصحح التطبيق.
ويقدم أحد الباحثين تفسيراً طريفاً لمسألة خروج البطل عن القانون، يقول فيه: (الخارج على القانون الحقيقي ليس هو البطل الذي يحتفظ بروح القانون الحقيقية حتى وهو خارج الدائرة الاجتماعية، بل الشخص أو الشخصيات التي تسيء إلى القانون خفية من داخل الدائرة الاجتماعية، وتكسر قواعده الثابتة لمصلحتها الشخصية. لذلك -كثيراً- ما تعج هذه الميلودرامات بشخصيات نمطية مثل (الملك الطيب) الذي لا يدري ما يدور حوله، و(الأخ) أو (الوزير الشرير) الذي يريد أن يسلب الملك سلطته الشرعية، و(الأميرة الجميلة) التي تقع في غرام البطل النبيل المظلوم الذي يهجر المدينة إلى الغابة تحت وطأة الظلم، وعادة ما تنتهي هذه الميلودرامات بعودة كل شيء إلى أصله، وباجتثاث العناصر المعادية للنظام الشرعي السائد، وبتأكيد قوة وشرعية النظام المطلقة).
وقد مرّت (الميلودراما) بأطوار مختلفة: تمثل الأول منها في أن الكاتب المسرحي في (الميلودراما) لا يهدف إلى التعمق الفلسفي أو الشموخ الأدبي، ولا تعدو شخصيات الدراما عنده سوى أن تكون مجموعة من النماذج الثابتة، أو الأنماط المتعارف عليها التي يتم عرضها بطريقة بسيطة واضحة.
وجاء الطور الثاني في عام 1830م عندما بدأ تغير ملموس على موضوعات المسرحية الميلودرامية، إذ تحول الكونت الإقطاعي الشرير إلى أحد كبار الملاك، كما ظهرت ابنة الحطاب الفقير في ثوب فتاة قروية معاصرة، وتحول البطل الخارج على القانون إلى بحار أو جندي عائد لتمضية العطلة في مسقط رأسه.
ثم تطورت المسرحية الميلودرامية في طورها الثالث على يد الكاتب المسرحي (يوجين سكريب) الذي استعمل المسرحية ذات البناء المحبوك في معالجة القضايا الراهنة، والمشاكل المعاصرة.
ثم تطورت المسرحية الميلودرامية عن طريق استغلال الأساس الواقعي للتعبير عن أفكار عميقة لم يصل لها (يوجين سكريب)، وكان هذا التطور على يد الكاتب الميلودرامي الألماني (هيبل).
ويمكن الحديث عن نوعين من الميلودراما، هما: الميلودراما الرومانسية، والميلودراما الواقعية، ويتفق هذان النوعان في الحبكة المسرحية، ويختلفان من ناحية الموضوعات، فموضوعات الميلودراما الرومانسية تاريخية، أو خيال شعبي، أو قصص الجن والخوارق، وموضوعات الميلودراما الواقعية تستمد من الواقع.
وبعد هذا يمكن إيجاز خصائص الميلودراما سواء أكانت رومانسية أم واقعية في النقاط التالية:
1 -آلية الحبكة المسرحية.
2 -نمطية الشخصيات.
3 -المبالغة في تصوير العواطف البشرية.
4 -الاعتماد على الإثارة وعناصر التشويق.
5 -دخول الموسيقى والألحان.
ذو صلة