لست رساماً
لكن يمكنني أن أكتب الألوان
سيقول القارئ: هذا الفتى مجنون
ويقول عازف الناي: الثقوب أرجوحة الهواء
ويقول عازف الكمنجة: أنّاتي فرار نحو الجمال
ويقول عازف القيثارة: جنون الأوتار عقل آخر.
لست مطالباً بأن أثبت لأحد أني عاقل جداً
لست مطالباً بأن أثبت لأحد أنّ ثيابي مازالت منشورة على حبل الغسيل، تحت الشمس مباشرة، يداعبها نسيم يعرف رائحتي جيّداً.
فقط سأصعد فوق الطاولات
لأرى الحياة من زواية أخرى.
أصعد فوق طاولة المطبخ
فأرى النمل يعمل
وهو لا يعلم أنه يسرق طعامي.
أصعد فوق طاولة مكتبي
فأرى الكتب المبعثرة على الأرض وهي
تلهث، تريد العودة إلى رفوفها.
أصعد فوق طاولة مكتب المدير
فأرى الإنسان أقصر من ظله.
أصعد فوق طاولة المطعم
فأرى الصحون تئنّ وهي تسمع ضجيج الأضراس التي لا تشبع.
أصعد فوق طاولة الحانة
فأرى القوارير الخضراء
ترقص بين بقع ضوء
تستعدّ للرّحيل.
الآن
تصعد النار البيضاء إلى رأسي
لم تعد الطاولات تكشف عن الزوايا
المخفيّة.
رحلت الأضواء الباهرة
واختفت الحياة
تحت طاولة
مهجورة
في
إسطبل.
مثل قطّي الأسود
أسقط في الفراغ
أفترش سجّادة لا تطير
تحت طاولة قديمة
وأراقب معه الفئران الصغيرة
تخرج من جحورها
وتتقافز حول تمثال
لقطعة جبن سويسريّ
أصيل.