في زمن تتسارع فيه التقنية حدّ الذهول، برز الذكاء الاصطناعي كقوة قادرة على تشكيل الخطاب الثقافي والإعلامي، لا بوصفه أداة مساعدة فحسب، بل شريكاً خفيّاً في صياغة الوعي الجمعي. فها نحن نشهد محتوى يُنتج بلا يد كاتبة، وأفكاراً تُنسج بلا تأمل بشري، فتتداخل حدود الإبداع والتقليد، وينهار الخط الفاصل بين العقل والآلة.
هذه الطفرة الرقمية تطرح سؤالاً: هل يمكن لما لا يمتلك وعياً أن يُنتج معرفة ذات روح؟
إن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تعقيد، لا يملك تجربة الوجود، ولا أنين السؤال، ولا رعشة الدهشة. إنه يحاكي، ولا يبدع، ينبش في بحر المعلومات ليصوغ جُملاً بديعة الشكل، فارغة المعنى في أحيان كثيرة، لا لأنها خاطئة، بل لأنها بلا ألم إنساني ولا نَفَس تأملي.
في هذا السياق، تظهر أزمة الملكية الفكرية، لا كقضية قانونية فحسب، بل كإشكال وجودي: لمن تُنسب المعرفة؟ وهل للذكاء الاصطناعي حق في التأليف، أم هو مرآة تعكس ظلال عقول بشرية سابقة؟ وماذا تبقى من الكاتب إن تساوى إنتاجه مع ما تنتجه الخوارزميّات؟
أضف إلى ذلك خطر تنميط التفكير، إذ تُكرّس أدوات الذكاء الاصطناعي أساليب موحدة في العرض والتفكير، مما يُهدّد بتقويض التنوع المعرفي، ويُشجّع على الاكتفاء بما يُقترح لا بما يُبتكر. كل هذا يضع الإبداع الإنساني أمام امتحان عسير: إما أن يُجدد أدواته، أو أن يُستبدل.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي قد يرفع جودة المحتوى حين يُستخدم بوعي، إذ يمنح الباحث أدوات لتجاوز السطح نحو العمق، ويتيح للإعلامي دقة وسرعة كانت بعيدة المنال. ولكن الجودة لا تعني القيمة، كما أن الجمال لا يعني الأصالة.
ختاماً، فإن مستقبل المحتوى في عصر الذكاء الاصطناعي ليس في التقنية ذاتها، بل في وعي الإنسان بها. وحده هذا الوعي القادر على توجيه الآلة لا أن يُقاد بها، وعلى استخدام الذكاء الاصطناعي لا كبديل عن العقل، بل كرافد يثريه لا يغرقه.
(هذه الافتتاحية مُنتجة عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، (شات جي بي تي). فأهلاً بكم إلى ملف هذا العدد من (المجلة العربية)، الذي خصَّصناه لمناقشة جدالات المحتوى المُولد عبر آلات الذكاء الاصطناعي).